نظرية التعقيد والتداخل في السياستين الأميركية والتركية الموحدتين

لطالما عبرنا عن محاور اللحظة الراهنة من العدوان على سورية على أنها احتدام واصطدام المسارات والمواقف وهي كذلك تستوعب مقومات الاستحقاق بعد الانكشاف، أي أن هذه اللحظة المحتدمة تختزن في أعماقها تحولين وليس مجرد احتمالين..
أما الأول من التحولين فهو يتمثل في تقدم المعركة السياسية على المعارك العسكرية، وهذه حالة قاسية وليست مجرد انتقال رخو من مسار لآخر لأن هذا التدقيق سوف يفضي إلى التحول الثاني والذي يؤكد بأن مساحة الصراع في مسرى الاحتدام ضيقة للغاية، ومابعد هذه اللحظة الراهنة لا يوجد سوى خيار واحد ووحيد هو العمل العسكري إلى درجة الحرب الشاملة لأن الخيارات كلها قد نفدت، ونفدت معها منهجية أردوغان وأميركا القائمة على اللعب على الحبال وعلى الزمن على التقديرات المضمرة والسياسات الأميركية، وفي كنفها الأسود السياسات الأردوغانية ليست متخفية. والسياستان معاً مشهورتان تاريخياً بهذه الخصائص الثابتة والقائمة على أسلوب الاستنزاف وعلى منهجية اللعب في المسافة ما بين الباطن والظاهر والمعلن والمستتر، ومن هنا فإن ضرورة التفكيك في لوحة التعقيدات القائمة في الشمال السوري صارت ضرورية وهذا هو المدخل الطبيعي لتحديد المواقف بوضوح ولبناء الفعل ورد الفعل عليها وهي مكشوفة وليست مواربة أو افتراضية.
وهنا لدينا قاعدتان مستبدتان بمنهج السياسة الأميركية والتركية، حيث بالنسبة لأميركا فسياستها في المنطلق وفي التطبيق ثابتة ولا يقلل من ذلك إدخال مزايا العصر ودرجة التطور في السياسة الأميركية ولا يخفف من ذلك تناوب الحزب الديمقراطي والجمهوري على الإدارة الأميركية أو كاريزما كل رئيس أميركي مستجد، فذلك أدعى لتطوير النظرة الأمبريالية وتعميق خصائصها ومخصصاتها ليس أكثر، وبالتالي فإن القانون الجامع لهذه السياسة الأميركية يقوم على قاعدة الولاء المطلق للعدو الصهيوني بلا حدود وبدون قيود والعداء المطلق للعرب وقضاياهم حتى ولو تفرقت السبل بالعرب وبدلوا في أولويات المواقف وخانوا القضايا الوطنية والقومية لأن الهدف الأميركي لا يتصل بدرجة السقوط السياسي العربي بقدر ما يتصل بالتركيز على الهدف المحدد بتدمير الوطن السوري وتغيير منطلقاته وقواعد بنائه وخياراته، ولاسيما في فرصة تعتقد الامبريالية الأميركية أنها سانحة جداً لإنجاز التطبيقات السياسية الأميركية في هذا المناخ المظلم وفي هذه اللحظة الحرجة.
أما عن السياسة التركية وبالتحديد الأردوغانية العثمانية فهي نتاج لمجمع قديم وحديث هو الذي ينتج هذه الحالة التركية الطورانية، ومن هنا نرى أن رجب طيب أردوغان يستمد نظراته وتصرفاته في أصول العداء للوطن السوري من المصادر الثلاثة المعروفة والمكشوفة وهي المصدر الطوراني العثماني التتاري كونه بنية تاريخية لها تطبيقاتها في القرون الماضية ولكنها الآن ترى أن الظروف الإقليمية والعربية تساعد في العودة إلى مشروع الهيمنة العثمانية على بلاد الشام باعتبارها من أملاك وممتلكات ما يسمى بالخلافة العثمانية تحت الشعارات الإسلامية المستباحة في هذا الزمان.
ومن هنا نرى بأنهم في تركيا مازالوا يعتقدون بأن الموصل في العراق وحلب في سورية هما منصة للانطلاق بهذا المشروع العثماني وهكذا مازالت تركيا تصنع في الموازنة العامة للدولة موازنة خاصة بالموصل وحلب وهو مؤشر رمزي وهو يساوي ليرة عثمانية واحدة لكل مدينة من الاثنتين. هذا في الحلم العثماني المغربي مازال مصدراً أساسياً للسياسات التركية وعشنا تطبيقاته منذ خمسينيات القرن الماضي وعبر نموذج عدنان مندريس ونموذج الحلف الإسلامي ومعاهدة بغداد ونظرية سد الفراغ التي أطلقها أيزنهاور. وأما المصدر الثاني الذي يؤسس للسياسة التركية هو المتصل بانتماء أردوغان للتنظيم العام للإخوان المسلمين وهو يرى نفسه خليفة وسلطاناً وليس مجرد رئيس منتخب ومناوب. وقد تبدت في الآونة الأخيرة حقائق هذا المصدر من خلال دور تركيا في مصر وعلاقتها مع النظام الإرهابي القزم في قطر وفي العمق. هذه التناقضات ما بين الاتجاه التركي الأردوغاني والاتجاه السعودي الوهابي رغم أن كليهما يصب في العداء للوطن السوري.
أما المصدر الثالث فهو شخصية أردوغان السايكوباثية أي المسكونة بالأمراض النفسية وبالاعتبارات الغوغائية القائمة على تضخم الذات ودورها وتجاهل الآخر بما للآخر من حقوق وثوابت تاريخية وواقعية، وهنا تنشر مساحة النخر الأردوغاني من الداخل التركي إلى الجوار السوري وإلى الإقليم بكامله. وهانحن نرى بأن السياسة التركية امتدت إلى السودان وسيطرت على جزيرة (سواكن) هناك وتتطلع هذه السياسة إلى الاستحواذ على المزايا الاقتصادية والعسكرية من خلال ارتهان نظام آل ثاني للمشروع التركي في هذه المرحلة. وبالمحصلة فإن الأساس في المنهج التركي العدواني يقوم على النظرة العدائية للعرب وحقوقهم، كما تجسده سورية العربية في هذا الزمان الأغبر.
ومن هنا فإنه باجتماع السياستين الأميركية والتركية جرى هذا الاختيار المرير لأسلوب التعقيد والتداخل في الشمال والشرق السوري، وهذا التداخل مقصود لذاته كونه يسمح بالمناورة وتوزيع الأدوار واللعب على الحبال، وهنا نجد الدائرة اتسعت لتشمل أميركا وتركيا ومفرزات شاذة من الأحزاب التركية كما تتمثل في دور تنظيم قسد المشبوه من ألفه إلى يائه.

د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
الرقم: 16917

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. صحة حمص تطور خبرات أطباء الفم والأسنان المقيمين تخفيض أجور نقل الركاب على باصات النقل الحكومي بالقنيطرة أطباء "سامز" يقدمون خدماتهم في مستشفى درعا الوطني استجابة لشكاوى المواطنين.. تعرفة جديدة لنقل الركاب في درعا كيف تخلق حضورك الحقيقي وفعلك الأعمق..؟ حرائق الغابات تلتهم آلاف الهكتارات.. وفرق الإطفاء تخوض معركة شرسة للسيطرة على النيران سوريا وقطر تبحثان توسيع مجالات التعاون المشترك