من دواعي الاستهجان ما نشهده اليوم من تصرفات ينهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اتباعها، ومنها ما عمد إليه من تغيير في القواعد الناظمة للصراع القائم بين «اسرائيل» والعرب.
يبدو أن الرئيس الأميركي قد اتخذ قراره باعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها تل أبيب في حرب حزيران عام 1967. وربما سيعلن ذلك إبان زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن المزمع إجراؤها خلال الأسبوع الحالي بغية حضور مؤتمر الإيباك السنوي. لذلك أدى الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان عام 1967 إلى تموضع القوات الإسرائيلية على بعد 67 كيلومترا عن دمشق، فضلا عن تهجير ما يزيد عن 100,000 سوري من هذه الهضبة البركانية الواسعة التي كانت موطنا لهم على مر العصور.
في الساعات الأولى من حرب تشرين عام 1973 كان إحداث التقدم السوري صدمة للجيش الإسرائيلي ما دفع بقادته إلى التفكير بشأن استخدام الأسلحة النووية بغية الحد مما اعتبرته تل أبيب تهديدا للوجود الإسرائيلي برمته.
لكن في نهاية الحرب حرر الجيش السوري مدينة القنيطرة ودحر اسرائيل ولكنها بقيت تستولي على اجزاء من الجولان في الحين الذي أكدت به الأمم المتحدة بقرار صادر عن مجلس الأمن رقم 338 «عدم مشروعية الاستيلاء على الأرضي بالقوة». وعملا بهذا القرار، طرح وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر فكرة إبرام اتفاقية فصل القوات التي بقيت محافظة على السلام الهش طيلة أربعة عقود،وبذلك فإن الاتفاقية التي أبرمت عام 1974 أوقفت إطلاق النار بين الجانبين، وقادت للحد من حجم القوات الإسرائيلية والقوات السورية وأفضت إلى إنشاء منطقة آمنة (تفصل بينهما) تحت إشراف الأمم المتحدة، وما تزال قوات الأندوف تدير مراكز للمراقبة على طول الحدود،ومنذ ذلك الحين رفض المجتمع الدولي، ومن ضمنه واشنطن، الاعتراف بالإعلان الإسرائيلي أحادي الجانب الصادر شهر كانون الأول عام 1981 الذي ينص على ضم الجولان. لكن إسرائيل لم تأبه للقرارات الدولية، بل استمرت في احتلالها للهضبة، وعمدت إلى توطين أكثر من 20,000 إسرائيلي أقاموا في أكثر من 30 مستوطنة.
بذلت الولايات المتحدة وغيرها الجهود الدبلوماسية لدعوة إسرائيل للانسحاب إلى حدود حزيران عام 1967، لكن تل أبيب التي تراجعت عن أراضٍ احتلتها في ذلك العام رفضت القبول بالانسحاب الشامل، الأمر الذي شكل عقبة رئيسة أمام التوصل إلى إبرام اتفاق يماثل اتفاق السلام الإسرائيلي-المصري بشأن «الأرض مقابل السلام».
واستمر الحال على ما هو عليه حتى الولاية الثانية لإدارة أوباما التي أخفقت في طي صفحة الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان والضفة الغربية ما فتح الباب أمام دبلوماسية ترامب الهدامة. لا ريب بأن الاعتراف الأميركي باحتلال إسرائيل لأراض سورية لن يفضي إلى تقويض اتفاقية وقف إطلاق النار فحسب، بل يقوض إيجاد حل للأزمة الحالية في سورية أيضا، بالإضافة إلى ذلك فإنه يجعل مزاعم أميركا التي تقول بوحدة الأراضي السورية في دائرة الشك أكثر من أي وقت مضى،فقرار ترامب لن يمضي دون اكتراث في انقرة التي تحتل أجزاء من سورية في الوقت الراهن، وتتطلع إلى توسيع أطماعها شرقا نحو الفرات.
عمد ترامب للظهور بمظهر المخلص من خلال استجابته لنتنياهو. كما أن وزير خارجيته مايك بومبيو لم يتوان عن مباركة عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وخرق المحرمات الأخرى من خلال زيارته لحائط المبكى في القدس الشرقية، متبعا سياسة الأمر الواقع.
وبعد ذكر كل ما سلف، هل يمكن لليمين الإسرائيلي المتطرف الادعاء بأن إدارة ترامب لا تلبي مطالبه؟ لا شك بأن ثمة تقاربا في وجهات النظر بين ترامب ونتنياهو، فهما حليفان سياسيان تجمع بينهما علاقة وثيقة، ويؤكد كل منهما على توطيد تلك الروابط، وفي الأسابيع التي تسبق الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في شهر نيسان، عزز ترامب موقف نتنياهو الذي حظي بالثناء من بومبيو. ويستعد نتنياهو لرد الجميل لترامب إبان زيارته واشنطن من خلال بذل الجهود لتجيير أصوات الناخبين الأميركيين اليهود إلى أعضاء الحزب الجمهوري المؤيد لترامب.
وإزاء ما ذكر آنفا، تبين بأن إعلان ضم الجولان يمثل خير دليل على القرارات المنفردة التي يتخذها ترامب على المسرح العالمي، لكن السياسة القصيرة النظر التي تسعى واشنطن لإملائها وإملاء سياسات أصدقائها على خصومهم أمر لا يقتصر على كونه خاطئا بل يحمل في طياته خطرا بالغا.
لا ريب أن من السذاجة بمكان الافتراض بعدم قيام ثمن يُدفع مقابل تقويض الاجماع الدولي الذي اتخذ عام 1974، ذلك الاجماع الذي فشل في التوصل إلى اتفاقية للسلام، لكنه وفر أساسا لنظام دبلوماسي حافظ على السلام الهش مدة تناهز 50 عاما، ونتيجة لذلك، فإن وجهة النظر التي طالما جرى الاتفاق عليها ومفادها أن مثل هذه التحركات لا يمكن معالجتها إلا في سياق عقد صفقة نهائية بين الطرفين قد انقلب رأسا على عقب، وبدلا من السعي للتوصل إلى اتفاق للسلام، نرى إدارة ترامب تجازف بتقويض أي فرصة للتوصل إليه، ولا يعلم أحد ماهية النتائج التي يمكن أن يفضي إليها تجاوز الاتفاق القديم.
The American Conservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 26-3-2019
الرقم: 16940