على الرغم مما أثار اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل من استنكار وشجب، إلا أن الرئيس الأميركي الصهيوني الهوى لم يتورع عن اتخاذ خطوة أخرى تتماثل معها بالخطورة من خلال اعترافه رسمياً بسيادة (إسرائيل) على الجولان السوري بذريعة أهميته الاستراتيجية والأمنية لها، لكن هو لم يقل الحقيقة لأن هناك أسباب خفية أكثر أهمية دعته لهذا الاعتراف، تتمثل بأهمية الجولان بالنسبة للكيان المحتل من حيث أنه كنز لا يقدر بثمن تبعاً لثرواته المائية والنفطية والطاقية والزراعية وما قد ينجم عن استثمار هذه الثروات من فوائد جمة تؤدي إلى نهوض اقتصادي كبير لإسرائيل.
فالجولان المحتل يعد مصدراً للمياه العذبة للمناطق المجاورة له حيث يسود الجفاف، كما أن أمطاره وثلوجه تغذي نهر الأردن وتوفر ثلث مياه (إسرائيل). إذ تطل هضبة الجولان على بحيرة طبريا التي تصل إليها المياه الحلوة بشكل أساسي بعد ذوبان الثلوج على جبل الشيخ، ومن ثم تتجه لتغذي مخزون نهر الأردن، ومن المعروف أن الجولان يتمتع بغزارة في أمطاره الشتوية، إذ تتزايد معدلات الأمطار مع التزايد في الارتفاعات بسبب تضاريسه وتعرضه للرياح الغربية الممطرة، وبذلك فهو يمثل أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، وقد قال شمعون بيريز في أحد مؤتمرات دافوس الاقتصادية إن (أحد أهم القضايا التي يجب الإجماع عليها لتحقيق السلام في المنطقة) هي المياه، بمعنى أن تل أبيب لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 إلا بعد أن تحل مشكلة المياه، لذلك نجد أن سلطات الاحتلال قد عمدت إلى اتباع مختلف السياسات التوسعية الهادفة للاستيلاء على جميع مصادر المياه الموجودة في الجولان المحتل، إذ قامت بوضع اليد والسيطرة على منابع نهر بانياس الموجودة في الجهة الشمالية الغربية من الجولان والاستثمار بها. ويبلغ المنسوب السنوي لهذا النهر 125 مليون متر مكعب من المياه، توظفها الحكومة الإسرائيلية لخدمة المستوطنات التي أقامتها في الجولان، ولري سهل الحولة، أما ما يبقى منها فإنه يترك ليصب في بحيرة طبريا، وقد عمدت سلطات الاحتلال إلى إقامة 18 بحيرة صناعية، تستوعب نحو 60 مليون متر مكعب من مياه الأمطار والينابيع والوديان، يتم ملؤها في فصل الشتاء وتستخدم لري الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنين طوال فصل الصيف، كما قامت بحفر عشرات الآبار الارتوازية في سائر أنحاء الجولان المحتل، لتحصل على ملايين الأمتار من المياه الجوفية وتحويلها إلى المستوطنين وإلى داخل (إسرائيل) للاستعمال المنزلي في الوقت الذي منعت أهلنا في الجولان من حفر الآبار الارتوازية وتشييد البرك الصناعية، كما حرمتهم من تجميع السيول والينابيع التي تجري خلال فصل الشتاء لاستخدامها في ري أراضيهم الزراعية.
كما سال لعاب تل أبيب على الجولان بعد أن اكتشفت ما يحويه من موارد طبيعية مثل الغاز والنفط، حيث بينت دراسة أجراها خبراء شركة (أوفك) الإسرائيلية- الأميركية وجود كميات هائلة من النفط الخام والغاز الطبيعي في هضبة الجولان، وقد لفت الموقع الإلكتروني للشركة إلى وجود مخازن من النفط على عمق بسيط جنوبي الهضبة، وهو قابل للاستخراج والإنتاج، الأمر الذي سيخدم كيان الاحتلال من ناحية إنتاج الطاقة، ويجعله يكتفي ذاتياً في هذا المجال. ووفقاً لما قاله عالم الجيولوجيا المسؤول في الشركة التي قامت بعملية التنقيب، بأنه أجري ثلاث عمليات تنقيب في جنوب هضبة الجولان، تبين منها وجود كميات كبيرة من النفط، ويقدر مخزون الموقع بمليارات البراميل من الذهب الأسود الثمين، وهناك إمكانية نظرية لسد حاجة السوق الإسرائيلية التي تحتاج كل يوم إلى نحو 270 ألف برميل، علماً أن إسرائيل شرعت منذ مطلع التسعينيات بمحاولات التنقيب عن النفط في الجولان المحتل، ثم توقفت إبّان حكومة إسحاق رابين إثر مفاوضات السلام التي جرت وقتها، لكن بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء عام 1996، تعالت أصوات إسرائيلية بتجديد التنقيب عن النفط والغاز في الجولان المحتل، بعد أن قامت سلطات الاحتلال بإخضاعه لقوانينها الاحتلالية.
عمدت إسرائيل إلى حفر 10 آبار استكشافية بعمق كيلومترين، وترى الشركة المنفذة للمشروع إمكانية لاستخراج النفط وغيره من المعادن ذات الأهمية عبر عمليات الحفر، وقد كان لاكتشاف النفط في الجولان الأثر الكبير في بناء الآمال لتوفير الطاقة بشكل عام، فضلاً عما ينتج من فرص عمل ودعم اقتصادي.
كما تمثل الزراعة في الجولان أهمية كبيرة لإسرائيل إذ تقدر إيراداتها بعشرات ملايين الدولارات، وتشكل رافداً اقتصادياً مهماً، لذلك لم يتوقف النهب الإسرائيلي لموارده الطبيعية التي تجود بها أرضاً زراعية خصبة.
ومنذ احتلاله عسكرياً عام 1967 قامت إسرائيل بالاستحواذ على مساحات من الجولان وأنشأت بها المستوطنات التي قامت بزراعة الفاكهة والخضراوات والحبوب والأزهار، فالجولان يتميز بمناخ مناسب لزراعة التفاح والكرز ليس له نظير في محيطه وتنتج ثلاث قرى ( مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة) 35% من كمية التفاح في إسرائيل، ويحاول المستوطنون إنشاء مراكز خاصة بهدف إبراز القيمة الزراعية للمشروع الاستيطاني، وقامت حكومات الاحتلال المتعاقبة بإصدار سلسلة من الأوامر العسكرية لتضييق الخناق على أهلنا في الجولان ومصادرة أراضيهم ولم يبق لهم إلا النذر اليسير من هذه الأراضي. وما يثير الاستهجان أنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب ونظيره نتنياهو في البيت الابيض يوم الاثنين، قال الأخير بأنه جلب معه صناديق من قوارير النبيذ المصنوعة في الجولان هدية للرئيس الأميركي.
كذلك نشر الاحتلال الإسرائيلي محطات الطاقة الشمسية في مختلف المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الجولان، ضمن مشروع لتحويل الجولان إلى منطقة خضراء، واستناداً إلى عدة دراسات تم إجراؤها، تبيّن أن مناطق الجولان السوري المحتل تعتبر الأمثل لإقامة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بسبب ظروف الأحوال الجوية وحركة الرياح واستغلال أشعة الشمس.
وفي كل الأحوال مهما كانت الأسباب التي تزيد من استشراس الكيان الصهيوني في التمسك باحتلاله للجولان، يجب أن يعلم أن لهذه الأرض أصحاب منذ آلاف السنين ولن يتخلوا عنها، وأن دمشق التي تعتبر الجولان قضيتها الرئيسة لن تتنازل عن ذرة تراب من أرضه، وليعلم القاصي والداني أن سورية خاضت حرباً عظيمة لتحريره من الاحتلال، وهي مستعدة لخوض حروب أخرى في سبيل تحريره لأنه قطعة غالية من سورية لا يمكن التخلي عنها، والاحتلال إلى زوال مهما طال أمده، وليست إسرائيل أول المحتلين له إذ سبقها الكثير من المحتلين الذين اندحروا عنه.
ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 29-3-2019
الرقم: 16943