لا شك بأن حسابات انتخابية تخص رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو هي التي حالت دون عدوان إسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة الأسبوع الماضي، ليظل شبح هذا العدوان ماثلاً أمام الغزيين الذين يكابدون معاناة إنسانية هائلة بسبب الحصار، لكن هذه الحسابات الانتخابية نفسها قد تتغير وتلهب سعير الحرب في أية لحظة، لأن أي احتمالات للتصعيد يواجهها قطاع غزة حالياً، وهل ستزيد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري الشهر القادم هذه الاحتمالات، بمعنى هل ستكون نتائج الانتخابات ـ مع احتمالات فوز نتنياهو فيها بعد الهدية التي قدمها دونالد ترامب أمس سبباً في تغير سياسة الاحتلال تجاه القطاع؟!
كما هو معروف أقفل الأسبوع الماضي على تصعيد في قطاع غزة كسر الجمود في مفاوضات التهدئة وفك الحصار والأوضاع الإنسانية التي أخذت تزداد سوءاً وهو جمود دخله القطاع مع الإعلان عن موعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة التي رحَلت أي حلول محتملة إلى ما بعد التاسع من نيسان إبريل المقبل.
فمع إطلاق صاروخين فلسطينيين من القطاع على تل أبيب عاد القطاع مجدداً إلى مذبح الحملات الانتخابية الإسرائيلية، وبدا رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو كأنه عالق بين أمرين أحلاهما مرّ التصعيد وما يعنيه ذلك من إمكانية التورط في حرب في القطاع قد تودي بحياة عشرات الجنود وتجلب لمستوطنيه ما لا يحمد عقباه، إذ لم تعد غزة منذ عدوان 2008 مهمة سهلة بالنسبة لاسرائيل، أما ثاني الأمرين فهو تجاهل تلك الصواريخ ما يعنيه من خضوع نتنياهو لصواريخ سياسية أخرى من حلفائه أمثال نفتالي بينيت وخصومه الجنرالات في حزب كاحول لافان، بحيث يتم تصوير نتنياهو كما لو أنه خائف من غزة في مقابل الصورة التي يحاول نتنياهو تصديرها عنه أي ضابط الأمن الصورة التي واظب على ربطها به.
لكن رد نتنياهو في القطاع يبين أنه اختار رداً مختلفاً يمزج بين الاحتمالين السابقين أي تصعيد محدود لا يرقى إلى إعلان حرب وذلك عبر تجنب استهداف الغزيين أو المناطق الحساسة جداً للمقاومة الفلسطينية.
غير أن سياسة نتنياهو هذه ستخضع إلى اختبار مهم نهاية الشهر الجاري، اختبار ربما يقود إلى تصعيد كبير جداً مع التحضيرات التي يجريها الفلسطينيون في القطاع والضفة بمناسبة مرور الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة، وهي مسيرات مفتوحة على جميع السيناريوهات ومن الممكن إن تكون نتائجها وطريقة الرد عليها إسرائيليا مفتوحة.
يعتقد محللون أن نتنياهو في هذه المرحلة الانتخابية سيفعل كل ما بوسعه من أجل البقاء في الحكم، وخاصة تجاه قطاع غزة ، فإذا وجد أن تهدئة الأوضاع وتجاوز ما يحدث في القطاع سيصب في مصلحته الانتخابية سيفعل، وإذا رأى عكس ذلك فإنه سيبادر لتصعيد الأوضاع عسكرياً وسياسيا، وهذا ما يجعل أي عدوان إسرائيلي قريب على القطاع مرتبطا بالمصلحة السياسية والانتخابية لنتنياهو، وليس مرتبطا بالوضع القائم في عموم المنطقة، فلهذا الوضع حسابات أخرى تتجاوز رغبات نتنياهو وطموحاته وقدرات كيانه.
تتحدث بعض الأوساط الإعلامية عن نجاح وساطة مصرية في الوصول إلى تهدئة بين إسرائيل وحماس في القطاع، غير أن الوضع في غزة هو وضع مأساوي من الصعب تحمله، والحديث هنا عن مجتمع يضم أكثر من 2 مليون إنسان يعيشون في مساحة هي الأكثر كثافة سكانية في العالم في ظل ظروف معيشية صعبة فرضها الحصار الإسرائيلي والخذلان العربي والدولي، وعادة ما يدفع هؤلاء ثمن التصعيد العسكري والتهدئات المؤقتة التي لا تغير في أوضاعهم شيئاً، إذ يظلون رهينة للعبة السياسية الخارجية ولدوامة الصراع المستمرة بالدوران.
إن الاعتقاد السائد حاليا في المنطقة هو أن تاريخ 30 آذار وهو يصادف يوم الأرض سيكون مختلفاً هذه السنة، وهذا هو التحدي الذي نحن بصدد تحديده، والسؤال هل سيكون تحرك الفلسطينيين في هذا اليوم مختلفاً عن سابقاته في غزة ويشهداً تصعيداً في أعمال الاحتجاج والمقاومة؟ أم ستفرض نفس المعادلة المتفق عليها بين القوى الرئيسية الفاعلة في غزة وما بين كيان الاحتلال أي العودة إلى مربع التهدئة الهش.
بالنهاية نبقى أمام سؤال مهم: هل سيناريوهات 2008 و2014 مرجحة أكثر من غيرها حيث قامت إسرائيل بشن حربين على قطاع غزة، في ظل ارتفاع حظوظ نتنياهو للفوز في انتخابات أم تبقى نفس الحالة الراهنة لا حرب واسعة ولا تهدئة دائمة ..؟!.
زينب العيسى
التاريخ: الجمعة 29-3-2019
الرقم: 16943