الأرقام التي ذكرها رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس قبل أيام تحت قبة البرلمان عن الودائع في مصارفنا العامة والتي يقارب حجمها 2.460 مليار ليرة منها 179 مليار ليرة خصصت لقروض المشاريع التنموية كان أهمها الجزء المتعلق بالسيولة الجاهزة للإقراض والتي تقارب الـ 820 مليار ليرة.
هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن لدينا أموالاً قادرة إذا ما أُقرضت بشكل سليم مع التوجّه بقوة نحو تنمية حقيقية خلال المرحلة المقبلة «إعادة الأعمار» بعد اتخاذ كل التدابير اللازمة لضمان سلامة الإقراض ضمن القنوات التنموية بشكل يحول دون تكرار سيناريو القروض المتعثرة التي حصلت الحكومة منها حتى تاريخه 180 مليار ليرة.
وهنا يأتي السؤال.. لماذا لم يتم الإقراض حتى الآن من تلك الودائع التي تحدّث عنها سابقاً العديد من المصرفيين ومديري المصارف العامة حينها والتي كان من الممكن لو استثمرت بشكل صحيح أن تسهم في انطلاقة مئات المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر.
لا شكّ أنه بات من الضروري إطلاق القروض في هذه المرحلة، خاصة أن المصارف العامة تمتلك كتلة نقدية كبيرة بحسب الأرقام وهي بحدّ ذاتها تشكّل عبئاً على تلك المصارف كونها عديمة الفائدة ومجمّدة.
في هذا السياق يقول الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية في تصريح للثورة إن المصارف جاهزة للإقراض لكن المشكلة هي عدم وجود مقترض أي إنه لا يوجد طلب على الإقراض، ويعود ذلك بحسب فضلية لأسباب عديدة منها موضوعية فالمئات من المتعاملين سابقاً مع المصارف العامة في حالة تريث في هذه المرحلة والجزء الآخر متعلّق بملف القروض المتعثّرة الذي ما زال مفتوحاً خاصة أن بعض المتعثرين ممن تمّت تسوية قروضهم غير قادرين على الاقتراض، والحصول على قرض جديد نتيجة عدم تعديل القانون رقم 26 الذي من المفترض تعديله بحيث يتم السماح بالحصول على قرض جديد بعد تسوية القرض القديم والتأكد من أن المقترض متضرر حقيقي.
وأضاف إن اللجنة التي تم تشكليها منذ أكثر من سنة لتعديل القانون رقم 26 القاضي بتسوية القروض المتعثرة بحيث يمكن اعتماد مواد إضافية تسمح للمصارف بتطبيق ما يسمى تعويم الدين أو تعويم المدين مازالت في حالة ثبات رغم التعديلات التي أجريت على القانون، مع العلم أنه في حال تمت تلك التعديلات سيكون بالإمكان ضمن ضوابط وشروط معينة وبعد أن يتم تسوية القرض وتعويم المدين أو القرض، منح قروض تمويلية وإن كانت متعثرة.
لا شكّ إن إطلاق القروض التشغيلية تعتبر مسألة إيجابية في إطار تحريك العجلة الاقتصادية وتوسيع قطاعات الإنتاج وزيادة العرض في السوق من السلع الأساسية والضرورية، وهذا سيخلق أيضاً مزيداً من فرص العمل الجديدة بما يؤدي إلى إتاحة دخول جديدة للعاملين الجدد أو العاطلين عن العمل، لذا فإن هذه الخطوة لها نواحٍ اقتصادية إنتاجية ونقدية واجتماعية.
إذاً نحتاج حالياً إلى تشغيل ما هو موجود أكثر من خلق شيء جديد، لذلك يجب أن تكون تلك القروض موجّهة إلى مشاريع متوقفة وقائمة، ومن شأن هذه القروض أن ترفع من سيولة هذه المنشآت المتعثّرة، وبالتالي فإن الجدوى الاقتصادية من المشروع موجودة، وهي على عكس المشاريع التي ستخلق جديداً، والتي تحتاج إلى دراسة جدوى اقتصادية قبل إقراضها.
دمشق – ميساء العلي:
التاريخ: الأربعاء 15-5-2019
الرقم: 16978