مهما كانت الظروف الاقتصادية قاسية وصعبة ومؤثرة وضاغطة على مؤسسات الدولة والأفراد إلا أن حسن الاستثمار في الموارد المادية والبشرية والكفاءة في ذلك عامل أساسي وفعال في مواجهة تلك الظروف والتعامل معها بروح الإبداع والابتكار، وهذا يحتاج إلى إدارة فاعلة ومنظومة متفاعلة معها تنسجم مع خططها وتتماهى في برامجها وصولاً لأعلى درجات الكفاءة والإنتاج، ولعل الخطوة الأولى في هذا المجال تكمن في اختيار الإدارة الناجحة والكفوءة عالية التأهيل والتدريب والقادرة على الابتكار والاستثمار الأمثل للموارد وهذا يحتاج أيضاً إلى فريق عمل منسجم ومتعاون وبيئة حاضنة على المستويين الأفقي والعمودي إضافة لتأمين الموارد واحتياجات العمل الأساسية واتباع أسلوب التحفيز الإيجابي للعاملين وربط الأجر بالإنتاج.
إن وضع أولويات اقتصادية في إطار مصفوفة مشاريع إنتاجية ذات جدوى اقتصادية انطلاقاً من ظروف البلاد وفق خريطة استثمار اقتصادية مجدية مسألة غاية في الأهمية لأن ذلك يحقق مردوداً إنتاجياً عالياً بتكلفة بسيطة، ويساهم في تحريك عجلة الاقتصادن وضخ سلع نوعية في السوق ويمنح فرصة حقيقية للتصدير وتأمين القطع الأجنبي ولا سيما أن انخفاصاً حاداً قد لحق بالعملة الوطنية بحكم ظروف الأزمة والحصار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد ما يعني من الناحية الاقتصادية انخفاض قيمة المنتج المحلي قياساً بالعملات الصعبة الأمر الذي يجعل المنتج السوري مربحاً لمستوردي المنتج السوري الذي يتمتع بسمعة جيدة في الأسواق العالمية ناهيك عن تواجد رجال أعمال سوريين لهم حضورهم في الخريطة الاقتصادية العالمية ومجتمع رجال الأعمال من هنا تأتي أيضاً أهمية الإصغاء إلى مطالب واحتياجات ومستلزمات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والنقابات والاتحادات المعنية بالعملية الاقتصادية والإنتاجية لتفعيل وتسريع عجلة الإنتاج بما ينعكس إيجاباً على حركة الاستثمار والميزان التجاري بشكل عام ما يعني وفرة في موارد الدولة من القطع الأجنبي وتحسناً حقيقياً في حركة الصادرات والواردات ولصالح مؤشرات التصدير بحيث يكون الميزان التجاري رابحاً أو على الأقل يتشكل تراجع نسبي في نسبة الخسارة.
إن الاشتغال وفق استراتيجية دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغير عبر التمويل أو تأمين مصادر الإنتاج المجتمعي وما يشكله ذلك من انعكاس إيحابي على الاقتصاد المنزلي الذي يشكل بالنتيجة مصدر دعم وتغذية للمنتج المحلي ويوفر حالة من الاستقرار الاجتماعي والأمن الغذائي للأسرة السورية التي عانت من ويلات الحرب العدوانية المركبة على الشعب السوري إضافة إلى ترتيب أولويات دعم للمشاريع القائمة في مناطق الإنتاج المجدي وحيث تسيطر الدولة السورية وتتوفر بيئة إنتاج رابح وحسن توظيف لإمكانات الحكومة المالية في خططها لإقامة مشاريع صناعية أو زراعية أو دعم مشاريع قائمة تعرضت للتخريب أو السرقة أثناء ظروف الحرب مع تشاركية حقيقية مع القطاع الخاص أو المشترك والانفتاح على الرأسمال الوطني الحقيقي لا الانتهازي الذي لا يكون إلا شريكاً في المغنم دون المغرم، الرأسمال الوطني الذي يوظف ويستثمر في المشاريع الزراعية والصناعية المديدة لا ذلك الذي يبحث عن دورة رأسمال قصيرة أو يقتنص فرصاً لتوظيف أمواله في شراء مطارح استثمار خدمي لا تشكل بالنتيجة رقماً داعماً للاقتصاد الوطني ورافداً لموارد الدولة وخزينتها.
لقد استطاعت الدولة السورية في كل ظروف الحرب العدوانية التي واجهتها البلاد بصمود وتضحيات غير مسبوقة قدمها الجيش والشعب السوري أن تستمر في إدارة المرفق العام ولم تتخلَ عن دورها الوظيفي في التربية والصحة ودفع الرواتب والأجور وتأمين مستلزمات الدفاع عن البلاد وهي مكلفة حقاً إضافة إلى استمرار القطاع الخدمي من القيام بواجباته ما يعني من الناحية السياسية إفشال خطط الأعداء بتحويل سورية إلى دولة فاشلة غير قادرة على القيام بواجباتها الدستورية والوظيفية وخدمة وتأمين مواطنيها ولا شك أن ذلك نجاح كبير يمكن البناء عليه في الظروف الحالية رغم صعوبتها وضغوطاتها ولا سيما أن أكثر مناطق البلاد قد أصبحت تحت سلطة الدولة ما يعني ارتفاع مستوى وحجم النفقات المترتبة على الحكومة يقابله ثبات في الموارد ما يشكل تحدياً للحكومة في مواجهة ذلك الواقع من هنا تأتي أهمية التفكير العملاني في مقاربة متقابلتي الإمكانات والاحتياجات وفرص الاستثمار المجدي وهذه مسؤولية الفريق الاقتصادي أو الهيئة الاستشارية (بنك العقول الاقتصادية) الذي من أولى مهامه تقديم الرؤى والأفكار الناجعة والتي تشكل خريطة طريق وراشدة اقتصادية ومغذية للسلطة التنفيذية.
د. خلف المفتاح
khalaf.almuftah@gmail.com
التاريخ: الأثنين 27-5-2019
رقم العدد : 16987