يطل علينا الكاتب موسى محمد علي تقي في مجموعته القصصية (سأبحر غدا) من الزاوية الاجتماعية التي تظهر في النواحي السلبية لموروث العادات والتقاليد, وتحكم الفرد بقيد ما قيل وقال, وتدفع بالبعض الواعي إلى التمرد على هذه الأعراف المتشبعة للنهوض بفكر متنور.
تناول القسم الآخر من النصوص بعض القضايا الوجودية المتمثلة بتساؤلات فئة الشباب عن كنه الحياة وعلة الوجود وأسباب الخلق, وما قد يعتري هذه الفئة من مصاعب في الحياة الأسرية, والتي قد تؤدي بالبعض إلى مطبات نفسية.
وفي بعض القصص عاد الكاتب للتاريخ ثم انحنى أمام الشهيد, حيث مجد علاقة الإنسان بأرضه وعطر قلمه بالحديث عن شام الدنيا (دمشق) التي ينام الغريب فيها على ظله واقفا.
استخدم القاص أسلوب محاكاة الذات, فركز على الحوار الداخلي عند البطل (المونولوج) والذي بدوره يقوي التفاعل العاطفي بين القارئ والنص.
ومحاكاة الأشياء بطريقة تبث الروح داخلها وتجعلها تخاطب البطل (القلم, الكأس, الدموع) مايوحي نوعا ما إلى الرمزية فتارة نرى الليل يتحدث,الطبيعة تغني أو تبكي, الحجر ينطق ويواسي, فكان السرد موضوعيا معتدلا,يبدأ بإدخال القارئ إلى الحكاية فورا ومن ثم تبدأ التصاعدات الانفعالية في متن القصة لتنتهي بالدهشة أحيانا وبالعودة إلى العناوين, فالمشاعر في بعض القصص لدى البطل أو البطلة متقدة منذ البداية وحتى النهاية, أما في بعض القصص والخواطر الأخرى فكأن البطل يروي سيرة تتصف بالرتابة والكلام بأيديولوجية معينة وكأنه يعيش في المدينة الفاضلة بعيدا عن الواقع.
الكاتب اتبع الأسلوب المبسط في إيصال المعنى دون غموض,النصوص واضحة.. سهلة بلا تكلف في تجميل الجمل, ابتعد عن العناوين الغامضة لدرجة أن بعضها كانت كاشفة لمجريات القصة.
يتضح للقارئ أن نصوص المجموعة تراوحت بين القصص القصيرة والخواطر, الخاطرة لا تحتمل أكثر من بطل واحد, ولهذا نلمس قلة الشخوص في العمل, أما في القصة ربما تعمدها الكاتب لاعتقاده أن تزاحم الشخصيات في القصة قد يفقدها رشاقتها, وربما أيضا ليكون المشهد أكثر واقعية وأشد تأثيرا في عقل القارئ.
سلط الكاتب الضوء على قضايا كثيرة في مجموعته, على رأسها حرية المرأة.. حقها في التعلم.. اختيار حياة مناسبة, واستقلالها بذاتها دون وصي عليها باسم العرف أو الدين كما جاء في قصة (أنثى وتفاحة)واصفة نظرة البعض الذي يختزل المرأة بجسد ويتدخل في أبسط شؤونها (ثقبوا أذني ليلبسوني قرط العادات وألبسوني اسم المؤنث ولازمني شعور النقص منذ الصغر أنا لست عارا, شعري الذي ينساب على ظهري ليس مصدرا للشهوة بل مصدر إلهام لكل من أراد أن يكتب عن عشق الحياة والجمال, بصوتي هذا أرنم وأغني لأطرد الشر من جنة الطبيعة, لن أخفض صوتي مادام الظلم يتبختر في كل مكان..)
كما تلتها قصة (ارتباط حكاية مع الوحل)وسلط الضوء على ما قد ينتج من انحلال في المجتمع نتيجة تدهور المبادئ وغياب الإنسانية,والذي يؤدي بالبعض إلى الضياع فتزداد نسبة الضحايا والمجرمين كما في قصة (الداعرة, حجر بلا خطيئة) وأيضا عرفنا على صورة الشاب في البيئة المنغلقة وطريقة تفكيره والمحكوم بنمط حياة ومعتقد معين, كما جاء في قصة (حوار مع الاسم).
لقد أفرد القاص الصفحات الأخيرة من مجموعته القصصية لعدة ومضات لخص من خلالها أفكارا معينة بأسطر قليلة.
المجموعة صدرت عن دار القدس للطباعة والنشر والتوزيع, تصميم الغلاف: سامي حجازي, الإخراج الفني ياسر السلطي.
علاء الدين محمد
التاريخ: الأربعاء 29-5-2019
الرقم: 16989