ثورة أون لاين_عـــلي قــاســـــــم: لم يعد التصريح العلني والدعوات السياسية من على المنابر الرسمية والأممية لتسليح الإرهابيين أمراً مستغرباً في عرف الغرب، ولم يعد أيضاً تزويد المنظمات الإرهابية بالسلاح ورعايتها سياسياً وإعلامياً وتأمين الحماية لها قضية تثير الاستهجان أو الرفض بمنطقه،ولم يعد كذلك تبني قادة ومسؤولين وسياسيين ودول وأطراف وقوى وحتى منظمات لقضايا الإرهابيين مسألة تسترعي الانتباه أو يمكن التوقف عندها في مبادئه!!.بهذا المنهج من النفاق السياسي غير المعهود.. تمارس القوى السياسية الغربية وأدواتها في المنطقة سلوكها السياسي والإعلامي والدبلوماسي، وتستغل المنابر في الحشد لدعم المسلحين الإرهابيين، وباتت مواقفهم تتلاقى وتتقاطع مع تنظيمات إرهابية تكفيرية، وتحول تنظيم القاعدة إلى فصيل لايكاد صوته يختلف عن أصوات الآخرين، بل يتطابق معهم في المسار ذاته.
هكذا رأينا وزراء خارجية عرباً يتقاطرون في دعواتهم إلى تسليح الإرهابيين، وسمعنا مجالس نواب وبرلمات عربية تعلن مشاركتها ومساهمتها في تسليح الإرهابيين.. لا خجل هنا، ولا حياء هناك.. لا إحساس بالخشية من التداعيات، ولا خوف من النتائج التي تقود إليها، وأكثرها مدعاة للتأمل كانت تلك الدعوات التي انطلقت لتبرير ما سبقها من دعوات، أو لإضافة ذرائع جديدة مفلسة في واقعها وتداعياتها.
في زمن النفاق السياسي يجب ألا نتفاجأ بشيء وألا نستغرب من أي طرح.. ولا نستهجن أي موقف، بعد أن لاكت الألسن المنسدلة من بعض قادة الخليج الشرائع والقوانين والأنظمة، وبعد أن داست الأعراف والسلوكيات، وتعدّت على الحرمات، وتجاوزت المحرمات، وقطعت الخطوط بكل تدرّج ألوانها في صفاقة سياسية لم نعهدها حتى في أكثر عهود البدائية السياسية ولا في أكثر عصور الانحطاط!!
وفي زمن النفاق كذلك لم يعد مستغرباً أيضاً أن نرى منظمة الأمم المتحدة وقد تحولت إلى منبر متنقّل يحتضن تلك الدعوات أو يعمل في سبيل ترويجها.. ويستخدم كل أدوات الضغط السياسي والأممي والحقوقي في سبيل التسويق لها تحت مزاعم وشعارات تتبدل وتتغير وفق مقتضيات الحال المتعثّر لأولئك الداعين وهم يفرّون من إفلاس ليقعون في آخر أكثر وضوحاً ومن فشل ليصطدموا بفشل أكبر.
بعد أشهر من الادّعاء الكاذب والفاضح بعدم وجود مسلحين، وبعد أشهر من رفض حتى الفكرة.. لاتزال في ذاكرتنا تلك التعليقات السمجة لكثير من السياسيين حول سخافة الادعاءات بوجودهم.. بعد هذا كله نراهم يتراكضون لتبنّي وجودهم وتسليحهم علناً، وهناك من لم يكتف بالدعوة إلى التسليح بل إلى المشاركة معهم في القتل والإجرام.
جميعنا يدرك أن تسليح أولئك لم يأت من المريخ وأن وصول السلاح لم يكن عبر مركبات فضائية أو أنه جاء من كائنات الفضاء الخارجي، بل هو من قبل أولئك الذين أعلنوا صراحة تشجيع الإرهابيين وتبنوا فكرة تسليحهم، وهو أمر محسوم منذ البداية وهناك أدلة دامغة في الشكل والمضمون وبالاعتراف الصريح والواضح، وهناك من تبنّى وجودهم علناً على أراضيه ووفّر لهم الحماية والدعم والتأمين اللوجستي والمكاني.
وجميعنا أيضاً يدرك أن النفاق السياسي لم يكن عملية نادرة، ولا هو خارج نطاق التداول على مستويات متعددة، لكنه في المعيار الأخلاقي بات اليوم سلوكاً سياسياً تمتهنه دول وأطراف، يمارسه قادة ومسؤولون، وتتعاطى به قوى ومنظمات، حتى بات في العرف السياسي اليومي أمراً مألوفاً، وفي بعض تشظياته دليلاً على براغماتية لها مبرراتها وذرائعها.
اللافت أن استخدامه لم يعد فقط في إطار تبويب الحاجات السياسية، بل هو أيضاً بوابة يمكن من خلالها البناء للتهويل السياسي، ونافذة تستطيع من خلالها القوى المتنفذة الحصول على الذرائع التي تبحث عنها لتمرير رؤيتها السياسية ولتمارس عبرها فجوراً سياسياً متعدد الأشكال.
حين حشدت الولايات المتحدة الأميركية العالم ومنظماته، قسمت هذا العالم إلى فريقين لا يمكن أن يلتقيا إلا في مساحات من المواجهة المفتوحة في محاربة الإرهاب، وسنّت سلسلة لا تنتهي من التشريعات ودفعت بالمنظمات الدولية إلى تبني قرارات لتكون عوناً لها في معركتها التي حشدت في سبيلها كل الطاقات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية أيضاً.
اليوم المسألة تناقشها في مجالسها ومكاتبها.. تقلّب أوجه الاستفادة منها وتضع البدائل المحتومة لها.. تمارس عبرها ومن خلالها طيشاً سياسياً متهوراً غير مسؤول ليس على مستوى المنطقة فقط، بل العالم بأسره.
فهذه المقامرة بالتاريخ والذاكرة والوجود.. لا يمكن لعاقل أن يقبلها.. فهنيئاً لدول الخليج العربي زعامتها للإرهابيين وهي التي أنبتت منهم الكثير وسوّقت منهم الأكثر.. وهنيئاً لهم التصفيق الغربي لنفاقهم حتى النهاية التي تنتظرهم..!!
a-k-67@maktoob.com