ذات يوم قالها الشاعر المعروف بدوي الجبل
نحن موتى وإن غدونا ورحنا والبيوت المزوقات قبور
نحن موتى وشر ما ابتكر الطغيــــان موتى على الدروب تسير
استحضرت في الصور الشعرية المبثوثة في البيتين حالة تعبيرية تكاد تجسد الواقع أو هي الواقع ذاته والأفكار هي: الموت، ادعاء الحياة عبر الموت، القصور التي تحولت إلى قبور، قدرة الطغيان الاستعماري على أن يفتعل هذه الظاهرة في الوطن العربي على وجه التحديد، حيث الموتى هم الذين يسيرون على الدروب ويتباهون بالمظاهر دون أدنى شعور بالموت الحقيقي، ومجمل هذه الصور توحي لكل ذي عقل ولأي صاحب مشروع بأن المقاربة هي في أشد حدودها ما بين الواقع العربي والحالة السياسية العامة التي يعيشها أبناء هذه الأمة ولا نعمم هنا فإن مناطق الحياة لا تزال في جذور الأمة العربية وإن سطا عليها الأنذال وتجار المواقف والمتجهون باستمرار نحو الارتماء بأحضان الأجنبي ولا سيما أميركا والكيان الأسرائيلي والمسار الغربي عموماً، إن المشهد واضح إلى درجة الغثيان الذي يأسر الوجدان العربي وهناك وفي حمى مكة المكرمة تُنفذ قمم بلا قيمة وهي ثلاث، القمة الإسلامية، والقمة الخليجية، والقمة العربية، ومجازاً نطلق عليها مصطلح القمم لأنه لا يوجد مفردة أخرى في اللغة العربية تعبر عن هذه المأساة، أعني السقوط من علٍ، أي من فوق إلى الأسفل بدون أدنى شعور بالتحرج أو بحركة الضمير أو بلمحة العداء لله ورسوله وقرآنه ودياناته وموروث هذه الأمة التي كانت الآن على موعد مع زمن الانحطاط السياسي والأخلاقي جهاراً نهاراً وبطلب من النظام السياسي العربي (وبكرم) يصل إلى درجة الأريحية من النشامى حكام مشيخات الخليج وفي عمقهم آل سعود وهم يسددون الفاتورة أخلاقياً ومادياً ويفاجئون العالم لكه بأنهم قد هيؤوا للأمر الحرام بجوار البيت الحرام وما كان لأحد أن يتوقع أو أن يتصور بأن الإجهاز على القضية الفلسطينية وبيع القدس والتأكيد على سرقة الجولان كما في قرارات ترامب أن يحدث ذلك في حمى البيت الحرام بجوار الكعبة وقد جهزوا للأمر القصور الفخمة والقاعات الأسطورية ثم أطلقوا فيه ما وجهتهم إليه واشنطن وتل أبيب وبقايا عواصم من المحيط الغربي أو في العالم، لقد اخترقت هذه القمم الثلاث قدسية المكان فصارت مكة المكرمة هي الموعد المفضل الذي لا بد أن تبنى فيه وتنطلق عوامل ما يسمى بصفقة القرن حيث بعدها تغيب عن الأفق فلسطين والعروبة والمواقف النبيلة ومصادر النور والإشعاع ثم جرى هذا الاختراق في موعد الزمان أيضاً إذ في اللحظة التي كان لا بد من التفاعل مع يوم القدس المقرر منذ أربعين عاماً جاءت هذه القرارات في القمم المشؤومة والمشبوهة لتتجاهل القدس ومن قدسها وما فيها ممن مقدسات، حتى لكأن القدس وفلسطين ليسا من موجودات العالم على الأرض وفي الزمان ولم يصدر عن هذه القمم الرمم ما يشير إلى اثبات الذات على الأقل أو على مطلب في حدوده الدنيا يستجدي من القوى الاستعمارية الكبرى أن تغطي حالة السقوط ببعض من العبارات على الهامش والمارة من الأفواه النتنة إلى مجالات العفن والموت والخيانة، هذا هو الوصف المكثف للقمم الثلاث، اختراق لمفهوم المكان والزمان وتأديه (بشجاعة) العميل والسارق واللص لأقدس عناوين الأمة العربية في العصر الحديث، والمسألة هذه لم تصدر من فراغ لتصب في الفراغ، لكن اللحظة الراهنة هي التي أنجزتها حالة الانكشاف العربي فهؤلاء الحكام وهذه المشيخات وهؤلاء الذين يدعون زوراً أنهم خدام للحرمين الشريفين، لهم عمر مشؤوم مديد ومقصود ومتجذر لذاته منذ بداية القرن العشرين ومن اللحظة التي تكشفت فيها غزارة النفط وقيمة الغاز وأهمية المعادن وخطورة الموقع الاستراتيجي وهكذا اتجهت بريطانيا آنذاك إلى افتعال هذه الأنظمة التي حاولوا نقلها من القبلية إلى المجال السياسي وجهزوها بالتدريج بموارد التكنولوجيا وشراء مظاهر العمران على المفتاح وهم يعلمون أن الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله كما وصفهم القرآن وكم هو دقيق كتاب الله فالأعراب ليسوا البدو سكان الصحارى ولكنهم تلك الشرائح والعائلات التي ارتزقت على الجريمة وعلى بيع الأرض والقيم ثم ضخ الاستعمار فيها نزعة المراوغة والخداع إلى أن جاءت ضرورات مصير العرب الراهنة فأطلقوا كل هذا الخبث في الواقع العربي بلا خوف بل ببجاحة ووقاحة لا يماثلها تردٍ أخلاقي أو سياسي على الكرة الأرضية والبحث مؤلم وقاس على الإنسان العربي العادي وصدق
قول الشاعر بأن هناك في وطننا العربي موتى تسير على الدروب وهي تتباهى بالسقوط والبيع والشراء ومقدرة التحدي لإرادة الله ولمشاعر ملايين العرب والأحرار.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 3-6-2019
الرقم: 16992