صــــــورة الميــــــدان والأوراق السياســــــية للحـــــــل

من الطبيعي بعد مرور السنوات الثماني على الحرب الإرهابية على بلدنا أن نتجاوز الكثير من الصيغ البرهانية فيها وحولها، فالجدل لم يعد له مكان حول طريقة بدئها من الخارج، وإدارتها من قبله، وتمويل إرهابييها من الأدوات الوكيلة فيها، ورسم جغرافية المنطقة الجديدة في أعقاب إنجازها الذي راهنوا عليه بتدمير الدولة، وتفجير المجتمع. ووفقاً لمقتضاه لم يبقَ للتأويل، والمزيد من التحليل وقت خاصة حين استدعت أشكال المواجهة الداخلية لها أن تُنتزع الإدارة الخارجية لها بإدارة داخلية تتحرّى الأهداف الخارجية المضللة وتواجهها باستحقاقات داخلية كاشفة للزيف والتزييف، ومبرزةً للوطنية الصامدة في وجه الميديا الدولية القائمة على الدجل والتوليف. والمعادلة الوطنية التي استدعتها عوامل المواجهة الصامدة لهذا التحالف الإرهابي الدولي انصبّت على التمكين لقوى الميدان العسكرية لكي يندحر الإرهاب على الأرض، وتفشل المؤامرة الخارجية بعدم تسللها إلى الداخل لتبقى قوى الوطن الحية نظيفة الوطنية، والطرف الثاني من المعادلة المتعلق بإعادة بناء القوى الحيّة في الوطن بروح المصير الواحد وروحيته حتى تظهر في المساحة السياسية مخرجات الثقافة الاجتماعية التي ترفض البعد الخارجي من الأزمة المحنة، وتتولى ترتيب أوراق الوطن من الداخل، وبالداخل ذاته باعتبار أن الحرب على سورية قد دوّلت الأزمة منذ الساعة الأولى عبر أكثر من /127/ دولة سمت نفسها صديقة لسورية وبهذا نستطيع القول: إن البعد الميداني للحرب الإرهابية علينا بدأ بالانحسار منذ العام 2015، وصارت فلول الإرهابيين تخرج من أوكارها وتهرب من جغرافية إلى أخرى على الأرض السورية حتى تجمّع الإرهابيون ما بين إدلب، وأرياف حلب، والرقة، ودير الزور، وهنا شهدنا التدخل الأمروأطلسي المباشر عبر القوات العسكرية حتى لا تكمل الدولة السورية الشرعية النصر الميداني على الأرض فتتغير فيه الأوراق السياسية للحل الوطني السيادي لمصلحة الشعب السوري في الداخل.
وفي هذه المرحلة بدأت الحرب الإرهابية للأصلاء تفصح عن نفسها باعتبار أن سقوط المشروع الإرهابي على أيدي الوكلاء عكس قوة الدولة السورية، وشعبها المتحالف معها، وجيشها الباسل مع حلفائه ومسانديه. وفي هذه المرحلة من التّدخل الأمروأطلسي المباشر أُعيد تنضيد الأمور على أيدي الأصلاء الداعمين للإرهاب بخلق معادل ميداني داخلي من الكردية السياسية وجعل قسم كبير من فصائل الإرهاب تغيّر من جلدها حتى تُحتسب على المعارضة المعتدلة المسلحة، وبهذا يتم سحبها من قائمة الإرهاب التي حددها مجلس الأمن الدولي، وأعطيت الأوامر لأردوغان كي يرعاها، ويوفر لها شروط الهجوم المتواصل على مراكز الجيش العربي السوري، ومسانديه، ورأينا كيف دخلت قوات أردوغان إلى شمال سورية، وكيف راوغ هذا الأخير لعدم تنفيذ اتفاقات جنيف، وأستنة، وسوتشي، وكيف يمارس الدجل السياسي على الدول الضامنة لأستنة، ويلعب مع الأميركان والصهاينة على ظروف التقسيم للجغرافيا السورية، وجعل اللجنة الدستورية في صيغتها النهائية محققة لأهداف تحالف الإرهاب، وليس لأهداف الدولة السورية الشرعية رغم انتصاراتها الميدانية من منظور أن ينتزع حلف الإرهاب بالسياسة ما فشل بانتزاعه بالحرب. نعم ليس أمام المحلل السياسي إلا أن يعترف بتعقيدات التدخل الأمروأطلسي المقصودة للحل السياسي الوطني السيادي في سورية، فهم بالضرورة لن يعترفوا بسقوط مشروعهم الإرهابي، وكسب الدولة للحرب، ورأيناهم كيف ادّعوا الحرب على الإرهاب حتى يتسلّلوا إلى الأرض السورية ولو بشكل غير شرعي فيديروا الحرب على الأرض بأنفسهم بدل أن تكون الإدارة عن طريق الوكلاء الذين فشلوا.
ولن نستغرب بأن يكون حلف الإرهاب رافضاً لآلية أستنة، وسوتشي فهو لن يقبل بأي آلية إلا إذا حقّقت أهدافه. ولكي تستقيم المعادلة الداخلية الوطنية ببعديها: الميداني، والشعبي تكثر الأماني بأن يكون مدار النظر السياسي الداخلي على رصّ الصفوف، وعلى توسيع فضاء التحالف الداخلي، والتحشيد لكل مكوّن من مكونات المواجهة والصمود وهذا يستدعي التفريق بين منهجي عمل: الأول أن نعيد قراءة إدارتنا للأزمة ونتأكد من فاعلية عناصر الاعتماد فيها، لأن الذين اعتُمدوا في التمثيل لم يكن لهم تمثيل عند الشعب بمقدار ما كانوا يمثلون الجهات التي اعتمدتهم. والمعركة الوطنية تحتاج إلى الكل الوطني ولا تقبل الاستنسابية، وإذا أحبّ أحدٌ أن يجادلنا في هذا الرأي نستطيع أن نحيله إلى أي فاعلية اجتماعية تقوم ويحقق فيها مَنْ اعتُمدوا الحضور المطلوب. وهذا المنهج منهج الاعتماد لاستحضار حوامل مهمة في الشأن الوطني تستطيع أن تضبط مرحلة الانتقال السياسي التي يصرّون عليها بما يتوافق مع متطلبات السيادة الوطنية، والقرار المستقل هو منهج تمكيني سليم لخلق الكتلة الوطنية الحليفة لقوى الميدان الصامدة. والمنهج الثاني: الذي يعتمد على الآلية القائمة للدولة ومؤسساتها الحكومية، والأهلية والتقدير بأن سير العمل الدولتي كفيل بتحشيد الجبهة الشعبية من قاعدة أن الدولة دولتها، وتعبر عن مصالحها. فالمسألة هنا تفترض الجانبين المتكافلين: المسؤولية، والسياسة، إذْ ليس شرطاً إذا كانت الدولة الإدارية تمارس مسؤوليتها في ظل الحصار الجائر للحلف الأمروصهيوني أن تحقق اللحمة الوطنية المطلوبة، ومن المعروف أن احتياجات الناس المعاشية أصبحت تضيّق الدائرة أمام هيبة الدولة القانونية. وبناءً عليه فالسياسة الداعمة لمسؤولية الدولة الإدارية لا بد أن توفر الوعي الوطني المطلوب الذي يتعامل مع مكونات الوطن الحيّة من نُخب، ومثقفين وقادة رأي وإقامة مؤتمرات لهم يتوافقون فيها على ميثاق متجدّد للعمل الوطني حتى يشعروا بالملموس أنهم شركاء ومطلوبة أدوارهم في معركة الوطن ضد الإرهاب، والوجود الأجنبي على أرضنا.
وأنهم عدّة تصحيح الثقافة الاجتماعية التي ركزت الميديا الدولية على تزويرها عبر حرب المصطلحات، وغيرها من حروب نفسية أخرى. وبالنتيجة إذا كنا سنصرُّ على الآليات التي اعتُمدت، بدون الحماس لإعادة إنتاج، واعتماد حوامل وطنية مؤهلة، وقادرة فإن المعركة الميدانية في إنجازها للحرب على الإرهاب سيجد الوطن نفسه أمام المعركة الأصعب لأن الشعب يتحالف دوماً ضد القوى الغازية من الخارج ويهزمها، لكنه حين ينقسم ما بين متطلبات الداخل يخسر كتلته الوطنية، ويفتقد للتوازن الداخلي ليدخل التموّج الصاخب بكل خصومةٍ، وتصادمٍ، وافتراق.

د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 3-6-2019
الرقم: 16992

 

 

 

 

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا