كشفت التظاهرات العارمة التي خرجت في عموم المملكة المتحدة تنديداً بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورفضاً لسياساته العدائية حول العالم، أن الأخير بدأ يخسر حلفاءه شيئاً فشيئاً وأن ربحه الوحيد ـ باستثناء الأموال التي يتقاضاها من المشيخات الخليجية تحت عنوان الحماية ـ بات يقتصر على نقمة وغضب بقية شعوب العالم.
من المسلم به أن ترامب لا يختلف كثيراً عن بقية الرؤساء الذين تعاقبوا قبله على حكم الولايات المتحدة لجهة الاستراتيجيات الهدامة والمدمرة التي ينتهجونها، إلا أن ما يميز هذا الرئيس عما سبقه هو الوقاحة في طرح نظرياته المتطرفة والعنصرية ضد الدول والشعوب الأخرى، والابتزاز الرخيص والمزاجية المنفرة اللتان يتعاطى بهما أثناء شراء وبيع الأدوات والحلفاء والشركاء، غير الأكثر استهجاناً في سلوك ترامب هو ذلك الغرور والعنجهية المرضية التي لا تعير اهتماماً وانتباهاً للمشاعر والقيم والأعراف الدولية والاعتبارات الإنسانية عند خرق القوانين والمعاهدات الدولية.
الكثير من حلفاء الولايات المتحدة شبهوا بعض قرارات ترامب بالقنابل الموقوتة التي قد تنفجر في وجه العالم في أي لحظة، ومن هذه الدول التي أعلنت رفضها لمواقف وقرارات ترامب ـ بالرغم من التماهي شبه الكامل مع السياسات الأميركية حول العالم بحكم التبعية داخل حلف الناتو ـ نجد كلاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ولعل أبرز المواقف التي أثارت لغطاً وخلافاً بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين في السداسية الدولية التي أنجزت اتفاق فيينا، هي تلك التي تتعلق بالملف النووي الإيراني والعقوبات على الصين والتدخلات الأميركية في اليمن والسودان وليبيا وسورية وفنزويلا وأوكرانيا، دون أن ننسى أن القرارات الداخلية التي اتخذها ترامب حيال الهجرة واللاجئين والرسوم الجمركية كان سبباً رئيسياً في تعزيز السخط العالمي تجاه سياسات الولايات المتحدة الأميركية عموماً.
منذ اللحظة الأولى لترشيح دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، اتضح أن هذا الرجل إشكالي بالنظر لبرنامجه الانتخابي ولوعوده خلال الحملة الانتخابية ولتصرفاته وتصريحاته التي أحدثت بلبلة داخل أميركا، قبل أن تصدم المقربين منه كأشخاص ودول.
وقد اتخذ ترامب بعد فوزه بالانتخابات ـ المثيرة للجدل حتى اليوم ـ سلسلة من القرارات المتهورة عززت حالة الجدل الدائرة بشأن السياسات الخارجية الأمريكية وانعكاساتها على علاقات واشنطن الخارجية مع الحلفاء قبل الخصوم، بدءاً بقرار ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة لإسرائيل وصولاً للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان العربية السورية المحتلة خلافاً لكل من سبقه من رؤساء أميركيين، وليس انتهاءً بقرارات انسحاب الولايات المتحدة من الكثير من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، التي كرست السياسات الانعزالية الأمريكية، وهو الأمر الذي ساهم بطرح جملة من التساؤلات بشأن مدى تأثر حلفاء الولايات المتحدة بتلك السياسات.
أحد المبعوثين الأمريكيين السابقين بالناتو وهو دوج لوت تحدث عن حالة الريبة والشك والقلق المتنامية بين حلفاء الولايات المتحدة من سياسات وقرارات ترامب المتهورة والتي هي أقرب إلى قرارات اقتصادية لا تمت إلى القرارات السياسية الاستراتيجية بصلة غامزاً من عقلية التاجر التي تسيطر على الرئيس الأميركي، دوج لوت قال إنها (المرّة الأولى التي يشك فيها الحلفاء في التزام الرئيس الأمريكي.. الوضع الحالي لم يسبق له مثيل)، تصريحات لوت نشرتها صحيفة (ذا إندبندنت) البريطانية في الذكرى السبعين لتأسيس الناتو.
وفي مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد مؤخراً بدت حالة (عدم الثقة) واضحة تماماً، وهذا ما قالته صراحة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث حذرت من (مخاطر الانعزالية الأمريكية في الوقت الراهن).
الولايات المتحدة الأمريكية باتت تنتهج في عهد ترامب سياسة مختلفة تماماً في التعامل مع حلفائها خاصة الأوروبيين، وهذه السياسة كان قد أعلنها ترامب منذ حملته الانتخابية، عندما قال إن (الولايات المتحدة الأمريكية لن تستمر في حماية أوروبا)، بالمقابل قدّم ترامب لإسرائيل كل ما تحلم به وما لم يفعله أي رئيس أمريكي سابق، لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية المزعومة على مرتفعات الجولان السورية المحتلة،وهما سابقتان في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
السياسة التي اتبعها ترامب والتي انطلقت من مبدأ(أميركا أولاً) ساهمت بشكل أو بآخر بتعزيز التوتر والقلق بين حلفاء وشركاء أميركا الإقليميين والدوليين الذين حذروا من تداعيات ذلك على تحالفات الولايات المتحدة وعلاقاتها السياسية والاقتصادية، وبالفعل ساهم ترامب بالعديد من قراراته المتهورة التي تأذت منها معظم دول العالم، إلى عزل الولايات المتحدة ليس فقط عن الخصوم والمنافسين، بل عن الحلفاء أيضا، ولا يختلف متابعان حول الضرر الذي أصاب العلاقات الأميركية الأوروبية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وممارسته ضغوط شديدة على الشركات الأوروبية للانسحاب من السوق الإيرانية وكذلك وقف واردات النفط الإيرانية إلى السوق الأوروبية والخسائر التي لحقت بالطرفين جراء ذلك.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 11-6-2019
الرقم: 16997