يبــــادرون ..حبـــاً وأخلاقــاً.. وإنســـانية

يزرعون الجميل والمعروف في ميادين مختلفة ، فرائحة العود تشي بطيبه ونوعه ، لم تكن القناعة لديهم مجرد شعار وكنز لا يفنى، ومن قنع عاش ، بل هي قيمة اجتماعية يترجمونها بسلوك وفعل ذاتي نابع من دوافع إنسانية وأخلاقية محضة ..في مجتمعنا ثمة أناس يثقّل عملهم بالذهب والألماس ، والمعاملة الطيبة وزنها بلسم يداوي العليل لسنوات في الذاكرة ..
في حياتنا اليومية وأحاديثنا المتبادلة حول مهنة المتاعب التي تنقل وجع الناس أفراحهم وأتراحهم ،هناك مواقف وصور ومشاهد، إذ غالبا ما نسمع عن أطباء هنا وهناك ذاع سيطهم ليس لمهارتهم وإتقانهم اختصاصهم فقط وإنما لحسن معاملتهم وبعد نظرهم في مراعاة ظروف الناس البائسة وقبولهم فقط بالأجر الرمزي إن لم يكن دون مقابل ..فهذا طبيب أطفال في بعض المناطق المعروفة يتقاضى فقط خمسين ليرة أجرة معاينة ومن يسمع لا يصدق ،لكن أم وديع تلك السيدة التي تقصده منذ سنوات مسافة خمسة كيلو مترات كانت على حق فهو طبيب أولادها بالأمس واليوم احفادها..تصف هذه السيدة عيادته بما يشبه المضافة العربية في مناسبة سعيدة.نظرا لازدحام المراجعين والمراجعات برفقة البراءة ومن مختلف الأعمار ..ورغم الانتظار لا يبدو على الوجوه إلا الراحة لان الثقة والاطمئنان في محلها .
أيضا نسمع عن طبيب أو بعض أطباء القلبية في أكثر من محافظة ومنطقة سورية يتقاضون أجرة معاينة ٢٠٠ ل،س فقط، وبعضهم لا يتعدى سقف ال٥٠٠ ل س فيما نجد بالمقابل من هذه الشريحة من لا يرضى حتى الالتزام بالتسعيرة المناسبة كي يقفز إلى سقف ال٣٠٠٠، والخمسة آلاف وربما أكثر حسب ديكور العيادة وموقعها في الريف أو المدينة..وكذلك نجد أطباء دونوا على آرمات عياداتهم الداخلية بأن العلاج مجاني للفقراء وأسر الشهداء .
ابو جميل شارف عمره عتبة السبعين احتاج لقثطرة قلبية قصد احدى العيادات الخاصة عن طريق احد المعارف لكنه فوجئ حين لم يرض الطبيب إلا بالقليل من أجره حق دواء وعملية قائلا له يا عم العوض على الله ..ورحمة الفقراء ممن يستحقون الرأفة والمساعدة هي الطريق لغنانا المادي من حيث لا ندري.
احد الزملاء الأعزاء روى لنا حين قصد أحد مراكز العلاج ليفاجأ بطيب المعاملة والأخلاقي هذا الزمن الصعب ،يقول زميلنا : لقد استغرق تجريب الأجهزة أكثر من ساعتين وخلص الطبيب إلى القول اننا لا نحتاج الجهاز لأنه لن يكون نافعا الآن..وحين أردنا المغادرة سألناه عن أتعاب المعاينة فكان الجواب لا أتعاب..هذا واجبي..لم أقدم شيئا، وفي نقاش استمر أكثر من بضع دقائق رفض الطبيب رفضا قاطعا ، مكررا عبارة هذا عمل يجب أن يكون انسانيا أولا، وبالتالي لو أخذتم الجهاز كنت أخذت ثمنه ،لكن أنتم لا تحتاجونه..وأضاف الطبيب(م،س) ان هذا التعامل يتم مع الجميع.
طبيبة نسائية استقبلت إحدى مريضاتها وهي في حالة يرثى لها مع موعد الولادة في مشفى خاص .هذا المشفى لم يقبل تلك المريضة أو يقدم لها شيئاً قبل أن تدفع تأمين الدخول ، ولأن المريضة كانت في حالة ولادة مستعصية ولا تعرف الإجراءات فقد تبرعت الطبيبة على الفور بجميع مستحقات المشفى لإنقاذ حياة الأم .
طبيب آخر معروف في قريته أنه ابو الفقراء هكذا دون على يافطة عيادته .. كان يعالج مرضاه من الفقراء مجانا رغم استغلال البعض لأخلاقيات كرم النفس وحسن المعاملة .
هذا الواقع لا يقتصر على شريحة الأطباء فقط بل هناك أصحاب صيدليات أيضا تخصم من قيمة الدواء من ١٠ إلى ٢٥% إلى كل انسان يقصدها وهي معروفة في محيطها..حتى العينات المجانية تذهب لمن يحتاجها ..على عكس من يتاجرون بجديد السعر صباح مساء لحاقا بفوضى الدولار وان كانت معظم الأدوية مخزنة على السعر القديم ..
مدرسات ومدرسون لم يكونوا بعيدين عن جو أسرهم وأبنائهم حين كانوا عونا لأبنائهم الطلبة من ناحية إعطائهم الدروس الخصوصية المجانية فالكل يعرف تلك المدرسة في ريف مدينة مصياف حين كانت تجمع طلابها ممن يحتاج الدروس الخصوصية ايام العطل أو قبل ساعة من الدوام الرسمي في المدرسة لتشرح لهم كل ما يتعلق بمادة الفيزياء والكيمياء دون أي مقابل فقط كانت تشدد على طلابها ضرورة الانتباه جيدا ليستفيدوا وكي يرتاح أهالي البعض من مصروف العبء الإضافي .
كذلك ثمة صورة لأحد أستاذة الرياضيات الذي كان يجوب بعض القرى بسيارته لإعطاء أبناء الشهداء والفقراء المحتاجين دروسا خصوصية مجانية للتخفيف من وطأة وتداعيات سنوات الحرب الظالمة .فيما مدرسة اللغة الإنكليزية التي أسست جيلا من أبناء قريتها من الصف الأول الابتدائي إلى الثانوية وحبّبتهم بتذوق اللغة الانكليزية إلى جانب العربية دون أي مقابل .حيث تفرغت لمدة خمس سنوات قبل أن تحصل على وظيفة في مسابقات وزارة التربية وبذلت جهدا كبيرا في كيفية تطويع اللغة بأسلوب مرن وسلس للأطفال واليافعين والطلاب.
هذه العينة من أبناء المجتمع هي نموذج للعشرات على امتداد مساحة الوطن ممن أحسوا بوجع الناس وتعبهم وقلة حيلتهم ومنهم من كان يسلك هذا السلوك بطبعه قبل سنوات الحرب وتعززت وكثرت أثناء المحنة .فعلى رأي المثل لو خلت خربت.

غصون سليمان
التاريخ: الثلاثاء 11-6-2019
الرقم: 16997

 

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة