من البدهي أن تحتل وسائل الاتصال الحديثة حيزا كبيرا من حياتنا، لسهولة تداولها وسرعة استجابتها وكونها بعد ذلك في متناول اليد، ولايكلف ذلك أكثر من كبسة زر والإشارة إلى إيقونة البحث حتى تفتح لك آفاق غير محدودة من المعلومات المطلوبة، بعضها اجتهد صاحبها في إعادتها لأصحابها، والبعض الآخر لانجد لها مرجعية يمكن الاتكاء عليها.
وكثيرا مانجد بعض المواقع الإلكترونية تزودنا بمعلومات نتوهم بداية بأنها موثوقة ولاتحتمل الشك، ولكن عند مقاطعتها ببعض الوثائق التي تتضمنها الكتب المحققة والممهورة بأسماء الثقات، نجد مفارقات لايمكن أن يتقبلها العقل والمنهج العلمي والوقائع المسندة، مايجعلنا أمام معضلة خطيرة من تشويه للحقائق وتزوير للأحداث، ولايتوقف الأمر عند ذلك، بل يتجاوزه إلى نسف مرحلة كاملة من حياة شعب وتاريخ أمة.
ونحن والحال هذه لابد أن نقف عند أهمية توثيق التاريخ والأحداث بأقلامنا نحن، وربما الأزمة التي مرت بها سورية، وتعرض الكثير من التراث والآثار والوثائق للدمار والتخريب أو السرقة، يضعنا أمام مهمة جليلة في السعي للحفاظ ماأمكن على كنوزنا التي تمتد في عمرها لآلاف السنين، والعمل ضمن خطة وطنية ومنهجية علمية لتوثيقها ضمن مجلدات وكتب تكون المرجعية الحقيقية للدارسين والباحثين وقبل كل شيء ستشكل وثيقة وطن وسفرا في عالم الخلود.
فبالرغم من الإبهار الذي حققته التقنيات الحديثة، ستظل قاصرة عن القيام بدورها في حفظ تراث الشعوب وتاريخها، وهنا نتوقف عند دور المديريات المعنية بشأن الحفاظ على التراث وتفعيلها للقيام بدورها في البحث والتوثيق وخصوصا فيما يخص التراث اللامادي المحفوظ في صدور وعقول الكثير من كبار السن، وقد أودت الحرب اللعينة على بعضهم ففقدنا مصدرا هاما للمعلومة الموثوقة.
ولايختلف اثنان أن المعركة التي تجرعنا مرارتها كانت حربا ثقافية تستهدف هويتنا، تراثنا، تاريخنا، وهذا بدوره يضعنا أمام مهمات صعبة جميعنا معنيون فيها، مؤسسات ومديريات وحتى المجتمع الأهلي، ولايمكن أن ننكر تلك الجهود الجبارة التي قامت بها هذه الجهات جميعها، ولكن رحلة البحث شاقة، ومشوار الألف ميل.. يبدأ بخطوة.
فاتن دعبول
التاريخ: الثلاثاء 18-6-2019
الرقم: 17003