رغم أن مسرحية” لقمة عيش” للفرقة العمانية” الدن” حظيت بالأمس بحضور جماهيري واسع، تضمن العديد من المهتمين بالشأن الثقافي، وفي مقدمتهم د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة” وبالرغم من أنها تناولت موضوعاً اجتماعياً يلامس الشرائح العظمى من الشعوب العربية في مأزقهم المعيشي، لكنّها وبسبب لهجتها المغرقة في المحلية، غابت معاني الكثير من الكلمات عن الجمهور الذي حاول أن يركز على الفكرة العامة للعرض، وعدم إجهاد النفس في مقاربة تلك المفردات الغريبة عن مجتمعنا.
والمفارقة العجيبة أن العالم جميعه كان يحتفي قبل أيام قليلة باليوم العالمي للغة الأم، في سعي لتكريس الدول للغاتها ضد حملات العولمة التي تسعى في غير منطق ونهج عولمي إلى صهر اللغات جميعها في بوتقتها، ومحو هوية الدول وحضاراتها، والقضاء على أحد مقومات الأمم الأساس، لأن اللغة هي الأداة الأولى التي تجمع أفراد الأمة، وهي الوعاء الذي يحتضن ثقافتها وحقول الإبداع والفكر والمعارف كافة.
ولا نأت بجديد عندما نعترف أن لغتنا العربية، في هذه المرحلة التاريخية، في وضع حرج، وخصوصاً في ظلّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتقدّم التكنولوجيا، وعقوق أبناء جلدتها لها وعصيانهم على قواعدها وعدم تداولها في المؤسسات التعليمية، كلّ ذلك يجعلنا ندق ناقوس الخطر للنهوض باللغة العربية، ووضع استراتيجية تضم الجهات المعنية بشؤون اللغة وعلومها، من أجل الحفاظ على معقل هام من معاقل تماسك الشعوب العربية وكيانها ووجودها.
وفي عجالتنا هذه، لا نسعى بالطبع إلى إلغاء اللهجات المحلية، لأنها أيضاً وسيلة للتداول المعيشي اليومي، ولكن من الأهمية بمكان الحفاظ على لغتنا التي تشكّل واحدة من أهم ست لغات في العالم جميعه، ومن الأهمية بمكان أيضاً ضرورة استعادة اللغة العربية لمكانتها التي تليق بأصالتها وعراقتها.
ولا يمكن في الآن نفسه تجاهل جهود العديد من المؤسسات الثقافية التي تسعى جاهدة من أجل النهوض بواقع لغتنا العربية، لتكون الحامل الحقيقي لإبداع جيل اليوم، بناة المستقبل والحارس الأمين للثقافة والفكر والإبداع.
رؤية – فاتن أحمد دعبول