رغم ضبابية المشهد العام في الخليج وتصاعد حدّة التوتر بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وأدواتها وحلفائها من جهة أخرى إلى مستوى قياسي على خلفية تفجير ناقلتي نفط في بحر عمان ــ حيث بقيت الاتهامات لإيران من دون أدلة سيدة الموقف ــ من الصعب التكهن إلى أين ستؤول الأمور في هذه المنطقة الملتهبة والحيوية والحساسة من العالم، أو الحكم ما إذا كانت ستشهد مواجهة جديدة من عيار حرب واسعة أو عودة الأطراف إلى طاولة التفاوض، غير أن بعض التقديرات تشير إلى احتمال لجوء واشنطن للرد على إيران بطريقة لا تؤدي إلى حرب واسعة من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية وحرمانها بشكل كامل من تصدير نفطها الخام أو القيام بعمل عسكري جزئي ضد المصالح الإيرانية في المنطقة.
الكثير من المراقبين حذروا الولايات المتحدة من اللجوء إلى خيار الحرب مع إيران بدافع الخوف من التداعيات الكارثية المحتملة لمثل هذا الخيار، مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية حذّرت من تبعات إقدام واشنطن على مهاجمة إيران، مشيرة إلى أن هذا التحرّك يمكن أن ينشر الفوضى في الشرق الأوسط.
وقالت المجلة إن أي حملة عسكرية أمريكية ضد إيران ستكون باهظة التكلفة، لأن الجيش الإيراني منظم ومجهز بشكل أفضل من العديد من جيوش دول المنطقة، مشيرة إلى أنه يستطيع استخدام الصواريخ متوسطة المدى، ضد المنشآت الأمريكية في العراق والكويت وأفغانستان وقطر والبحرين، وحلفاء أمريكا الآخرين في الخليج، إضافة إلى قدرة إيران على ضرب السفن البحرية الأمريكية.
وقارنت المجلة بين غزو واحتلال العراق، الذي كلف أمريكا أكثر من 2 تريليون دولار وتسبب في انتشار الفوضى في العراق منذ حوالي عقدين، وبين أي عمل عسكري ضد إيران، حيث يمكن أن تكون التكاليف أكبر بكثير من هذا الرقم وفوق قدرة الولايات المتحدة على التحمل.
أما صحيفة الغارديان البريطانية فقد أشارت إلى بعد آخر كارثي لهذه الحرب في حال اندلاعها، وهو بعد اقتصادي يتعلق باحتمال تحليق أسعار النفط عالياً، يقول لاري إليوت في مقال تحليلي له، إن ارتفاع أسعار النفط بسبب التوتر في منطقة الشرق الأوسط يعيد إلى الذاكرة أزمة النفط عام 1973 عندما توقفت توريدات النفط العربي إلى أوروبا نتيجة حرب تشرين، حيث أوقف ارتفاع أسعار النفط الازدهار الاقتصادي العالمي، فالدول الغربية حسب إليوت تعودت على سعر دولارين لبرميل النفط لكنها خلال أسابيع قليلة اضطرت إلى دفع 11 دولارا للبرميل، فارتفعت نسبة التضخم، وتراجع النمو الاقتصادي، ووصلت البطالة إلى معدلات لم تصلها من ثلاثينات القرن الماضي.
وقد أعادت الهجمات على ناقلات النفط في بحر عمان الأسبوع الماضي ذكريات تلك المرحلة، إذ سرعان ما ارتفع السعر النفط فكيف إذا توقفت توريدات النفط بشكل نهائي جراء الحرب في ممر يعبره ما يقارب ثلث الإنتاج العالمي.
ما من شك أن الولايات المتحدة تدرك مثل هذه الحقائق، فكما أن للحرب أثمانها السياسية والعسكرية كذلك الأمر هناك أثمان اقتصادية، ومن يراقب سياسة الإدارة الأميركية الحالية وتصرفات الرئيس الحالي دونالد ترامب القادم من عالم المال والصفقات، سيكتشف حجم جشعه الاقتصادي والمالي ورغبته بالحصول على المزيد من الأموال، وليس من المنطقي أن تذهب إلى خيارات محكومة بالخسارة والفشل، ولا سيما أن الكثير من التحذيرات تأتي من جهة أميركا ومن جهة حلفائها الغربيين الذين يتخوفون من تداعيات لا يمكن احتمالها.
من المرجّح أن تلجأ واشنطن إلى أسلوب الرسائل غير المباشرة في التعاطي مع صلابة الموقف الإيراني الذي يأخذ بالحسبان كل السيناريوهات المطروحة ومن ضمنها الحرب المباشرة، وبهذه الطريقة تقنع جبهتها الداخلية بأنها قادرة على الرد وفي نفس الوقت تستمر بإبقاء المنطقة على شفير الهاوية بكل ما يعنيه ذلك من ابتزاز رخيص ومكشوف لبعض المشيخات الخليجية التي تستعدي إيران وترى فيها خطراً مزعوما على مصالحها ووجودها، ولن يصعب على ترامب الخبير البارع في الابتزاز أن يجد الطريقة المناسبة لاستدراج المزيد من صفقات التسلح الباهظة مع هذه المشيخات تحت عنوان «التهديد الإيراني» لأمن الطاقة والأسر الحاكمة في الخليج، وهي الفزاعة التي لطالما استخدمتها واشنطن ودرّت عليها مبالغ هائلة من ثروات أبناء الخليج.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 19-6-2019
الرقم: 17004