خلال السنوات الماضية حاولت موسكو فتح حوارات مع الميليشيات الانفصالية، استقبلت بعضها، لعلها تنجح بجعلها تُدرك ألّا أُفق للمشروع الانفصالي الذي تَشتغل عليه، وأنّ من مَصلحتها العودة إلى الدولة الأم، الاحتماء بجيشها، والبقاء تحت مظلتها وفي كنف شرعيتها.
موسكو إذا لم تكن قد فشلت، فإن التعبير الأدق هو أنّ هذه الميليشيات إما أنها باعت نفسها للأميركي، أو أنها وصلت إلى نقطة باتت معها لا تملك من أمرها شيئاً، سوى ما تُشكله من أداة رخيصة، تَضغط واشنطن بها حيناً، وتُساوم عليها حيناً آخر.
سورية الأم، لم تُوفر وسيلة إلا واستخدمتها لتَحمِلَ أبناءها بالمنطقة الشرقية، والشمالية الشرقية، على ألا يُقطّعوا وثاق ارتباطهم وانتمائهم للوطن، غير أنّ الرؤوس الحامية المُتزعمة هناك، باتت خاوية إلا من الوهم، وقد بالغت مُؤخراً بمُمارسات إجرامية بحق الوطن، إحراق المحاصيل الزراعية، نهبها وسرقتها، ترويع الناس والاعتداء عليهم وعلى مُمتلكاتهم، فضلاً عن الجهر بالانخراط التام بالمشروع الصهيوأميركي!.
بالعقل، أم بالسياسة، الحديث بأيهما أجدى؟ بالعقل والمنطق، وبالسياسة والواقع، لا يمكن تَوصيف الفعل الذي تقوم به الميليشيات الانفصالية إلا بالفعل الناقص الشاذ، الذي لا يَعكس من حقيقة إلا تلك التي تُؤشر إلى حماقة قادتها وعدم أهليتهم ليس للاشتغال بالسياسة، وإنما لا أهلية لهم لفهمها!.
بعيداً عن كل ما يُقال من أن هذه الميليشيات لا تُمارس فقط الفجور وفعل الانتحار، وإنما تمارس فعل الخيانة العظمى أيضاً – وهو توصيف دقيق – سنُحاول مُقاربة الأمر من زاوية أخرى لعل حكيماً يهمس للانفصاليين أو يصرخ بمُواجهتهم: أن تَوقفوا وعُودوا!.
أولاً: هل سأل الانفصاليون الخونة، أو حاول أحدهم – وكلهم حمقى وخونة – أن يسألَ عن نقطة الخلاف التركية الأميركية التي حالت دون الاتفاق على إقامة (المنطقة الآمنة) المُفترضة؟.
ثانياً: هل أدرك أحدهم أن نقطةُ الخلاف تلك وحدها، تؤكد أن لا مكان للانفصاليين ولا لأوهامهم؟ ذلك أن النظام التركي يريد (المنطقة الآمنة) ليُحكم قبضته هناك، فيَضع من جهة الخطر الكردي المزعوم تحت السيطرة، ومن جهة أخرى يعتقد واهماً أنه بذلك إنما يَحجز مكاناً دائماً يَمنحه الدور البارز بأي عملية سياسية تجري بالمنطقة!.
ثالثاً: هل تَعرّف الانفصاليون إلى القيمة الحقيقية لهم لدى الأميركي كمُحتل، وكمركز لقيادة تحالف العدوان؟ هي تُساوي الصفر، لأنه يريد (المنطقة الآمنة) لأسباب تتعلق بمُحاولة قطع شريان التواصل بين مُكونات محور المقاومة، ولأسباب أخرى تتصل بمُحاولة سرقة الثروات النفطية السورية، ويريدها فَزّاعة دائمة يُهدد بها سورية، العراق، تركيا، وحتى إيران، لجهة التلويح بالعمل لإقامة كيان وظيفي آخر بموازاة الكيان الصهيوني، هو يَعرف أنه لن يقوم حتى لو وضع كل ثقله السياسي والعسكري لإقامته!.
رابعاً: استفتاءُ انفصال كردستان العراق – أيلول 2017 – ما زال طازجاً، فهل هو إلا الدرس الذي لا يُكرره سوى الحمقى الذين بخيانتهم سيُشكلون جسرَ عبور لقوى الاحتلال والعدوان الصهيوأميركية، وهو ما لن يُسمح به ولن يَحصل، فمُعطيات السياسة والميدان تُحدث بسقوط الانفصاليين الخونة، وباحتراق أجندات الواهمين، وبرحيل المُحتل قسراً لا طوعاً.
علي نصر الله
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036