ثورة أون لاين – عـــلي قــاســـــــم: تستعد روسيا لتدشين مرحلة جديدة في حياتها السياسية مع عودة فلاديمير بوتين الرئيس القوي – كما يحلو للبعض توصيفه – إلى سدّة الرئاسة..في ظرف سياسي يملي حضوره المباشر على مسرح الأحداث العالمي، ويترك بصماته على مشهد العلاقات الدولية خصوصاً بعد الإضافات السياسية المؤثرة التي عبّر عنها في حملته الانتخابية. يدرك الروس أن وعود رئيسهم المنتظر تستند إلى قاعدة من التجربة السياسية الممتدّة عميقاً في الوجدان الروسي واستطاعت أن تحدّد روسيا من خلاله موقعاً متميزاً في السنوات الماضية، إلا أنها مع الزخم القادم وتطوير مفاعيل هذه الرؤية، بدت أقرب إلى خارطة صاعدة تعيد تجديد روسيا ليس كقوة اقتصادية وسياسية فحسب، بل كلاعب مهم، لم يعد مسموحاً تجاوزه، وليس بمقدور أي قوة في العالم أن تتجاهل حضوره. الورقة التي يقبض عليها الرئيس فلاديمير بوتين، ليست نتاج حالة آنية أو مرحلة مؤقتة، بل هي في جوهرها حصاد كلّي لسنوات من العمل السياسي الذي قاد من خلاله روسيا لتستعيد حضورها الفعلي على مستويات القرار العالمي مقابل بنية سياسية واقتصادية تحاكي أفضل الاقتصادات العالمية مع طموح مشروع لتكون ضمن الاقتصادات الخمسة الكبرى في العالم معتمداً في ذلك على نضج التجربة وتفعيل جوانب مساهماتها القادمة. وبالقدر ذاته لا يخفي أغلبية الروس تفاؤلهم بعودة الرئيس بوتين الى سدّة الرئاسة، ولا تطلّعاتهم المشروعة نحو روسيا القادمة التي لن تكتفي باستعادة الأمجاد الراسخة في الوجدان الروسي على امتداد قرن من الزمن فحسب، بل أيضاً بأن يكون الحنين إلى ذلك الماضي مشروعاً سياسياً قادماً، لم يُخف الرئيس بوتين ذاته العمل عليه في جوانب مختلفة، ما يعطي لهذا التشابك في التطلعات دفعاً جديداً يمكن البناء عليه.
التحدّي الروسي لم يبدأ من السياسة ولا من مؤشرات الاقتصاد فحسب, بل أيضاً تعداه إلى خوض تجارب جديدة في النزاهة والحيادية وقطع الطريق على الأصابع التي حاولت أن تلعب في الداخل الروسي، حين وضعت انتخاباتها تحت مراقبة الكاميرات داعية الأميركيين والفرنسيين إلى الاستفادة من هذه التجربة.
وبالطبع المسألة ليست في حصريّة الدعوة، بقدر ما تحمله من رسائل سياسية في غاية الأهمية حين تعطي للممارسة السياسية الروسية مستويات إضافية لتكون أنموذجاً في الحياة السياسية، ما يعكس ثقة روسية واضحة، وكفاءة في إدارة وجهة الأحداث والانطلاق من ردّة الفعل إلى المبادرة.
وهذه المبادرة لن تكتفي بما تحمله من رسائل على المستوى الداخلي، بل هي أيضاً قراءة موضوعية في توجّهات أعمق، عكست التموضع الجديد لروسيا داخل المشهد الدولي، وهي تستعيد موقعاً طالما حاولت قوى الهيمنة الغربية أن تضيّق عليه، وأحياناً التجاوز على مفرداته، خصوصاً أن لروسيا مواقف اتسمت على الدوام بالعدالة والتوافق مع مبادئ الشرعية الدولية ومواثيقها.
وتحتفظ ذاكرة الشعوب بمواقف مشرّفة لروسيا في أكثر من قضية عالمية، وهي رأت في الخطوات الروسية الأخيرة حيال الأحداث في العالم – وخصوصاً في المنطقة ومنها سورية – مؤشرات حقيقية على إعادة ترميم تلك المشاهد على قاعدة هذه الرؤية التي تتلاقى وتتواءم مع تطلعات الشعوب على امتداد المعمورة.
لذلك لم يكن فوز الرئيس بوتين المتوقّع إعلانه رسمياً هذا الصباح مجرّد حدث سياسي يخصّ روسيا، بل هو على امتداد الساحة العالمية وخصوصاً من قبل الشعوب التي وجدت في روسيا نصيراً لها في قضاياها العادلة، ولا تخفي تلك الشعوب تطلّعاتها وتأمّلاتها في أن تكون السياسة الروسية في العهد الجديد، إعادة إطلاق لنظام عالمي متعدّد الأقطاب يوقف هيمنة القطب الواحد ويحدّ من سطوته على القرار الدولي.
المنتظر من روسيا واسع وكبير، يصل الى حدود محاكاة التطلعات على المستوى العالمي وخصوصاً في مناطق العالم الساخنة التي عانت من كارثية القطب الواحد، ومن هيمنة القوى الغربية، وتنظر بعين الأمل والرجاء إلى روسيا القادمة والرئيس فلاديمير بوتين لإعادة توازن اختلّ.. وإحلال عدالة دولية كادت أن تمحيها حالة استلاب مارستها هيمنة القطب الواحد.
a-k-67@maktoob.com
المصدر: جريدة الثورة