أفكار حول علم الجمال الفني

الملحق الثقافي:

 لا يمكن أن نقول إن جميع العبارات التي أطلقت حول تعريف الفن، هي خاطئة أو فاشلة، بل يمكن أن نقول إنها غير وافية، وتهمل جوانب متعددة. وليس هذا إلا لأن الفن يتطور مع الزمن، وكذلك فهو مرتبط بالشخص المتلقي وبفكرة الفنان والفيلسوف عن الفن.
إضافة إلى ذلك، فإن مفهوم الجمال الفني، لاقى صعوبات كذلك، واختلف المفكرون في تعريف الجمال، إلى درجة التناقض. فما يراه أحدهم جميلاً، ربما يكون ليس كذلك بالنسبة إلى الآخر. ولهذا فقد خرجت نظريات متعددة في علم الجمال الفني، وتدخلت كذلك نظريات علم النفس في مدى التأثير الفني، وتأثير الجميل على حياتنا وتركيبتنا النفسية.
في مقاله عن الفن، سأل تولستوي: «ما هو الفن؟». ويجيب بأن العديد من الناس لديهم وجهة نظر ذاتية بأن الفن هو الجمال، ونحن نطلق مصطلح الجمال على الفن الذي يمنحنا نوعاً من المتعة. نحن نطلق كلمة الجميل على كل شيء مثالي تماماً، ونعترف به أن يكون كذلك فقط لأننا نتلقى، من هذا الكمال، نوعاً من المتعة. إن نوع السرور الذي نتلقاه من الجمال هو الذي يرضينا دون إثارة الرغبة فينا. قد نحاول أن نكون علميين حوله، ونحاول العثور على تعريف للفن على أساس الجمال، والذي يمكننا تطبيقه على جميع الإنتاجات الفنية، لمعرفة ما إذا كانت تنتمي إلى عالم الفن أم لا. 
فشلت كل المحاولات لتحديد الجمال المطلق. لا يوجد تعريف موضوعي للجمال. كل التعريفات تصل إلى نفس الشيء؛ هذا الفن هو الذي يجعل الجمال واضحاً، والجمال هو الذي يرضي دون رغبة مثيرة. ولكن لا يمكن أن يكون هناك تفسير لسبب ما يرضي أحدهم ويستاء منه، لذلك لا يمكن للعلماء صياغة قوانين الفن.
لقد حاول أخصائيو الجمال العودة إلى الأعمال الفنية الأولى المعترف بها، ثم حاولوا إيجاد نظرية تناسبهم جميعاً. الآن، جميعنا نرى الجنون الذي يظهر في الفن، والتشوه والزيف، وهو ما يتم تجاهله.
لذا فإن نظرية الفن ليست سوى الإعداد الجيد لأي شيء يرضينا، أي يرضي فئة معينة من الناس. من أجل تحديد أي نشاط بشري، من الضروري أن نفهم معناه وأهميته؛ وللقيام بذلك يجب فحص النشاط نفسه، وأسبابه وآثاره، وليس فقط فيما يتعلق بالسعادة التي يقدمها لنا. إذا قلنا إن هدف أي نشاط هو مجرد متعة، ويتم تعريفه بهذه المتعة، سيكون تعريفنا خاطئاً. إذا قارناها بسؤال الطعام، فلن يؤكد أحد أن أهمية الطعام تتمثل في السرور الذي نحصل عليه من تناوله. نحن نعلم أن حسن التذوق ليس دليلاً معصوماً لأفضل الأطعمة من وجهة نظر صحية، وبنفس الطريقة، فإن المتعة التي نحصل عليها من لوحة ليست مؤشراً على قيمتها. لا يمكن للأشخاص الذين يعتبرون بأن الفن متعة، أن يدركوا معناه الحقيقي، في الواقع، سوف يتفهم الناس معنى الفن فقط عندما يتوقفون عن اعتبار أن الهدف من الفن هو المتعة.
أحد التعريفات يقول إن الفن هو نشاط ناشئ حتى في مملكة الحيوان، ينبع من الرغبة الجنسية والميل إلى اللعب، ويشترك بهذا التعريف شيلر وسبنسر.
وهناك تعريف آخر يقول إن الفن هو مظهر خارجي عن طريق الخطوط والألوان والحركات والأصوات أو الكلمات التي تؤثر في المشاعر التي يشعر بها الإنسان، وهو تعريف فيرون.
أما التعريف الثالث فيقول إن الفن هو إنتاج شيء دائم أو حركة عابرة، ليس فقط لتزويد المنتج بمتعة نشطة، وإنما لإيصال انطباع ممتع لعدد من المتفرجين أو المستمعين، بصرف النظر عن أي ميزة شخصية تكون مستمدة منه، وهو تعريف سولي.
نجد أن التعريف الأول غير دقيق، لأنه بدلاً من الحديث عن النشاط البشري نفسه، فإنه يتحدث فقط عن الاشتقاق منه. والتعريف الثاني غير دقيق لأن الإنسان قد يعبر عن عواطفه عن طريق الخطوط والألوان إلخ، ولكنه قد لا يتصرف مع الآخرين من خلال تعبيره، وبالتالي فإن النتيجة ليست الفن. ثم إن التعريف الثالث غير دقيق، لأنه أثناء إنتاج الأشياء أو الإجراءات التي توفر المتعة، قد يتم تضمين الحيل أو تمارين الجمباز، وهي ليست فناً. علاوة على ذلك، فإن إنتاج مسرحية لا ترضي المنتج أو الجمهور، قد يكون عملاً فنياً. ينشأ عدم دقة كل هذه التعريفات من حقيقة أن الشيء المدروس هو فن اللذة الذي قد يقدمه، وليس الغرض الذي قد يخدمه في حياة الإنسان والبشرية.
من أجل تعريف الفن بشكل صحيح، من الضروري التوقف عن اعتباره وسيلة للمتعة، واعتباره أحد شروط الحياة. إذا نظرنا إليه بهذه الطريقة، نرى أن الفن هو إحدى وسائل التواصل بين الإنسان والإنسان.
كل عمل فني يجعل المتلقي يدخل في نوع معين من العلاقة، بين كل من الفنان وجميع الذين يتلقون نفس الانطباع. مثلما تنقل الكلمات الأفكار، فإن الفن ينقل المشاعر. يعتمد نشاط الفن على حقيقة أنه عندما نشاهد رجلاً يعاني من عاطفة، فإننا نشاركه إلى حد ما. إنه استحضار الشعور الذي مر به المرء ذات مرة، ونقل هذا الشعور إلى الآخرين من خلال الأشكال والألوان أو الأصوات أو الحركات.
هذا هو الفن. الفن ليس متعة، ولكنه وسيلة للتوحيد بين الناس، وضمهم معاً في نفس المشاعر، ولا غنى عنه للحياة والتقدم نحو رفاهية الأفراد والإنسانية. بفضل قدرته على التعبير عن الأفكار بالكلمات، قد يكون كل إنسان قادراً على تسليم ما حققه للأجيال القادمة. إذا كان البشر يفتقرون إلى هذه القدرة، فسنكون مثل الوحوش البرية، وإذا كان الناس يفتقرون إلى هذه القدرة للتأثر بالفن، فقد يكون الناس أكثر وحشية ولا يزالون منفصلين عن بعضهم البعض.
الحياة الإنسانية مليئة بالفن، من أغاني المهد إلى الأزياء، ولكننا نعني بكلمة «فن»، ذلك الجزء من النشاط الفني الذي نختاره على أنه ذو أهمية خاصة. لقد تم إعطاء هذه الأهمية الخاصة دائماً لهذا الجزء من الفن الذي ينقل المشاعر المنبعثة من التصور الديني. هكذا نظر سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى الفن، وهكذا فهمه كل المعلمين الدينيين العظماء. كان أفلاطون مقتنعاً بقوة الفن، لدرجة أنه اقترح حظر الفنانين من جمهوريته المثالية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف أقل ضرراً من الموقف في المجتمع الأوروبي اليوم، حيث لا يُعتبر الفن شيئاً جيداً إلا إذا وفر المتعة.
كيف وصل المجتمع الأوروبي إلى هذا؟ ذلك لأن تقدير قيمة الفن «أي الشعور الذي ينقله» يعتمد على تصور الإنسان لمعنى الحياة. تنتقل الإنسانية دون توقف من وجهة نظر أقل جزئية للحياة إلى رؤية أعلى وأوسع. الأديان هي الداعية لأعلى فهم للحياة في متناول أفضل الناس، وقبل كل شيء في وقت معين. في وقت لاحق تتبع بقية المجتمع هذا التقدم. لذلك، كانت الأديان تعمل دائماً كقواعد لتقييم المصطلحات البشرية. إذا كانت المشاعر تقرب الناس من المثالية التي يشير إليها دينهم، فهي جيدة، وإذا عارضوها، فهي سيئة.
وهكذا في حالة الإغريق، إذا وضع الدين معنى الحياة في سعادة دنيوية، في الجمال والقوة، فإن الفن الذي ينقل البهجة وطاقة الحياة سيعتبر جيداً، لكن فن نقل اليأس سيكون سيئاً. إذا اختصر معنى الحياة في رفاهية أمة الفرد، أو في تكريم أسلافه، كما في حالة الرومان، فإن الفن الذي ينقل البهجة في التضحية بالنفس من أجل بلده أو تمجيد أسلافه أمر جيد، والعكس سيء. إذا ظهر معنى الحياة في تحرير النفس من نير الوحشية، كما في البوذية، فإن الفن الذي يرفع الروح ويذعن الجسد هو أمر جيد، في حين أن فن تمجيد المشاعر الجسدية سيكون سيئاً. لكن الفن الأوروبي منحرف للغاية لدرجة أنه لم يعد الفن السيئ يُعتبر جيداً، وإنما حتى الإدراك الحقيقي لماهية الفن بالفعل، قد ضاع.
لمعرفة السبب، يجب أن نميز بين الفن الحقيقي والفن المزيف. يجب أن يكون الفن الحقيقي معدياً – متلقي الانطباع الفني الحقيقي متوحد جداً مع الفنان بحيث يشعر كما لو أن العمل الفني كان ملكاً له – كما لو كان ما يعبر عنه هو ما كان يتوق إليه للتعبير عنه. العمل الفني الحقيقي يدمر الفصل بين المتلقي وبين الفنان، وحتى بينه وبين الآخرين الذين يقدرون هذا الفن أيضاً. في تحرر شخصيتنا من العزلة، وتوحيدها مع الآخرين، تكمن قوة الفن الجذابة العظيمة. ليست العدوى علامة أكيدة للفن فحسب، بل إن درجة العدوى هي المقياس الوحيد للتميز في الفن.
هذا يعتمد على ثلاثة أشياء: أولاً: تفرد الشعور المنقول. ثانياً: وضوحه. ثالثاً: صدق الفنان، أي درجة القوة التي يشعر بها الفنان والعاطفة التي ينقلها.

التاريخ: الثلاثاء24-9-2019

رقم العدد : 966

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة