إنتاج وفير لمشمش غوطة دمشق الشرقية  بين ضعف التسويق وانعدام التصدير  

الثورة – ثورة زينية: 

بدأ الفلاحون في الغوطة الشرقية بريف دمشق مع بداية شهر حزيران، قطاف موسم المشمش من كرومهم وبساتينهم المثمرة بهمة الفلاحين المتمسكين بأرضهم ورزقهم، ويسابقون الفجر إلى حقولهم وكلهم إصرار على عودة الجمال والاخضرار إلى ربوع وجنبات غوطة دمشق بعد أن دمَّر النظام البائد 80% من بساتين أشجار المشمش في الغوطة الشرقية إما بالحرق أو القطع.

وكانت قوات النظام البائد قد سيطرت على كامل الغوطة الشرقية في نيسان 2018، بعد حصارٍ دام نحو ست سنوات وحملات عسكرية عنيفة، انتهت بتوقيع اتفاقٍ تضمَّنَ تهجير 65887 شخصاً إلى الشمال السوري، بينما أجرى الذين ظلّوا في الغوطة تسويات مع النظام.

غوطة دمشق كانت تعتبر أشهر من أنتج المشمش في العالم وكان يقال عنها أنها أكبر غابة مثمرة في العالم حتى أنه يقال أن الشمس لم تكن تُرى لكثافة أشجارها في فصل الصيف.

يقول الخبير الزراعي مجد مروان أن الغوطة تشتهر بثلاثة أنواع من المشمش.. أولها المشمش الكلابي الذي يُصنع منه أجود أنواع “قمرالدين” وكذلك أنواع المربيات، أما النوع الثاني فهو المشمش البلدي الذي لايضاهيه أي نوع آخر من المشمش في الشكل والنكهة والمذاق والنواة الحلوة، و الثالث فهو العجمي ذو اللون الأصفر شبه الشفاف والحلاوة التي لا مثيل لها.

ولفت إلى أن تربة غوطة دمشق تُعد من أنسب أنواع الترب في العالم لزراعة المشمش، إضافة لاعتدال المناخ وتوفر المياه، حيث تنتج شجرة المشمش على مدى 3 سنوات الى 90 سنة تدريجياً من 10 كيلوغرام الى 300 وأحيانا 500 كغ.

سلة غذائية

أبو ربيع الرجل السبعيني يتمشى بين أشجار المشمش في مزرعته في الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي أعاد غرسها منذ عام 2018 ، فعادت إليها الحياة من جديد، واليوم تعود خضراء تدريجياً، واصفاً لحظة دخوله إلى المزرعة بعد عودته إليها بأنها كارثية، فكانت قاحلة وكل الأشجار محروقة، مضيفاً قبل اندلاع الثورة في سوريا كانت غوطة دمشق الشرقية الرئة التي يتنفس بها سكان العاصمة دمشق، بالإضافة لكونها السلة الغذائية الهامة لما تنتجه من خضروات وفواكه وخاصة المشمش، وخلال سنوات الحرب تحولت إلى صحراء قاحلة، وتم حرق الأشجار التي كانت تغطي مساحات كبيرة من أراضيها، وأهملت الأرض كثيراً ولم يتمكن الأهالي من ممارسة أعمال الزراعة بسبب الحرب.

خسائر كبيرة

المزارع محمد دهماني بيَّن أن معظم أبناء قرية شبعا عادوا إلى أرضهم، وقاموا بحرثها وغرسها بأشجار المشمش، مشيراً إلى أن هذا الأمر شكل حافزاً للغالبية لكي يعملوا بجد ونشاط لإخفاء آثار الحرب واستعادة الألق لغوطة دمشق، مؤكداً أنه وبالرغم من أن معالم الحرب لاتزال حاضرة وحجم الدمار كبير، إلا أن إصرار الناس كبير على زراعة الأراضي بعدد كبير من الأشجار المثمرة وخاصة المشمش ، مستدركاً أن خسائر الفلاح كبيرة جداً حيث إن أسعار المشمش في السوق المحلية تكاد تقترب من سعر مبيع الفلاح للتجار حيث يباع الكيلو ب 3200 في حين يباع في السوق ب4000 – 5000  نتيجة عدم تصدير المحصول وانخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين يضاف إليها الكميات الكبيرة المنتجة من المشمش لهذا العام.

موسم جيد

المزارع أبوسالم الرهيطي من عربين بيَّن أن موسم المشمش هذا العام جيد جداً، وغالباً هو الحصاد الثاني لمعظم الفلاحين الذين أعادوا زرع أشجار المشمش وهي في الغالب تحتاج لأكثر من 4 سنوات حتى تعطي بعد أن أحرق النظام البائد معظم الأراضي الزراعية في الغوطة وقطع أشجارها، مضيفاً: سأبيع محصولي هذا  العام لأحد المعامل التي تصنع حلوى قمر الدين، مؤكداً أن هذا أول موسم يبيع فيه المحصول بعد أن قام بغرس الأشجار منذ عام 2019، حيث كان اشترى الأشجار بعمر 3 سنوات لكي تعطي ثماراً في وقت قريب.

ازدهار عمل المشاتل

صاحب أحد المشاتل الزراعية في بلدة بزينة بالغوطة أكَّد أن هناك حركة نشطة من قبل الأهالي لشراء الشتول الزراعية من أشجار مثمرة وخاصة المشمش، منوهاً بأن هذا دليل على إصرار الناس لإعادة الحياة لهذه الغوطة التي كانت تعني الكثير للناس، معبراً عن سروره لإقبال الناس على شراء الشتول الزراعية، مؤكِّداً أن هذا يزيد من المساحات الخضراء في الغوطة.

“قمر الدين” يعود من جديد

وفي مزرعته بالغوطة الشرقية يجهد سامر نواصة بالعمل في مزرعة والده لجمع محصول المشمش من النوع المسمى الكلابي تمهيدا لتوريدها لمعمل لإنتاج قمر الدين في القرية المجاورة.

يقول المزارع نواصة تناقلت عائلتنا زراعة المشمش منذ أجيال بعيدة  لكن اندلاع الثورة دفعت بأفرادها إلى مغادرة مزارعهم في الغوطة التي تحولت لساحات معارك عام 2012، ومن ثم عدنا  تدريجياً عام 2018 إثر انتهاء العمليات العسكرية، فوجدنا أراضينا محروقة بعد أن تم قطع الأشجار فبدت المساحات الزراعية سوداء مرعبة، وكانت معظم الأراضي قد تحولت إلى خنادق وأنفاق وعاود الجميع زراعة المشمش وتشغيل ورشاتهم

الصغيرة لتصنيع الحلويات الأشهر في الغوطة وهي “قمرالدين ” الذي تستهلك من خلال أكلها أو تحويلها لعصير طبيعي خاصة في شهر رمضان، مضيفاً تغسل حبات المشمش البرتقالية، تمهيداً لعصرها وتجفيفها وداخل قدر معدنية كبيرة، يوضع مزيج المشمش، وهو نتاج عملية تبدأ بفصل البذور عن حبات المشمش، وعصرها، ثم تصفية العصير على مراحل عدة للتأكد من صفائه وخلوه من الشوائب، وخلطه مع السكر والقطر، بعد ذلك، يُسكبُ عصير المشمش اللزج في أوعية، إلى حقل مجاور مليء بالدفوف الخشبية المدهونة بزيت الزيتون ويُفرش المشمش المعصور على هذه الدفوف تحت الشمس لمدة خمسة أيام، ليجفّ ويصبح قاسياً، وقابلاً للتقطيع على شكل مثلثات، وأخيراً يتم تغليفه وتعليبه ويُصبح جاهزاً للتوريد.

ادعاءات كاذبة

المهندس الزراعي جميل الدوماني أكَّد أن سلطات النظام البائد لم تمنح أي مساعدات أو خدمات للمزارعين في الغوطة كما كانت تدعي سابقاً، كما لم تمنح أي قروض للفلاحين ولم يكن هناك أي استصلاح للأراضي، وإنما قام بعض المزارعين باستصلاح أجزاء من أراضيهم على نفقتهم الخاصة، مشيراً إلى أن الضرر الذي لحق بالقطاع الزراعي في الغوطة نتيجة القصف والحرق والقطع الجائر للثروة النباتية، أدى إلى تحويل أجزاء كبيرة من الغوطة إلى ما يشبه صحراء.

تحديات وصعوبات

المهندسة الزراعية جنات كنعان أفادت لـ”الثورة” أن الأراضي الزراعية تضررت كثيراً، ولم تعد تعطي مردوداً جيداً كما كانت سابقاً، إضافة إلى أن الزراعة من جديد تتطلب تكاليف كبيرة، حيث تصل تكلفة حراثة الدونم الواحد إلى 100 آلاف ليرة سورية، والغرسة إلى 7000 ليرة، علماً أن الدونم يستوعب 40 غرسة تقريباً، كما تحتاج الأرض إلى مبيدات حشرية أصبحت باهظة الثمن، إضافةً إلى فقدان السماد الآزوتي الذي يعتبر ضرورياً للتربة، ويستعيض عنه الفلاحون بالسماد المُركّز باهظ الثمن، أو السماد الطبيعي (روث الحيوانات)، لكنه بطيء الفعالية، وتصل تكلفة إعادة زراعة الدونم الواحد قد تصل إلى 500 ألف ليرة، علماً أن المزارع سيضطر للانتظار خمس سنوات حتى تبدأ الأشجار بالإنتاج، وبالتالي لم تعد الزراعة تؤمن مصدر دخل للفلاح، كما يعاني المزارعون في الغوطة من انتشار الألغام في الحقول والأراضي الزراعية.

وتجدر الإشارة إلى أن الزراعة قديمة جداً في الغوطة، إذ تم العثور على واحدة من أقدم القرى الزراعية في موقع تل أسود قرب الغوطة، والتي تعود إلى 7800 سنة قبل الميلاد، وعُثر فيها على فؤوس ومناجل حصاد تم صنع شفراتها من عظام حيوانية حادة وطويلة مثبتة على قبضات من العظام أو الخشب.

آخر الأخبار
تسويق  14 ألف طن قمح في حمص تحضيرات امتحانات المحاسبين على طاولة "المالية" " صناعة حسياء " تصدر 46 قراراً صناعياً منذ بداية العام  الدفاع المدني يزرع قيم التطوع في نفوس الأطفال من بوابة الفن   الهيئة العامة للطيران المدني تنفي إغلاق مطار دمشق وتؤكد استمرار العمل دون عوائق  استرداد أكثر من 16 طن كابلات مسروقة بدير الزور القنيطرة.. تدريب النساء على تربية النحل والنباتات الطبية والعطرية  بعد المنحة التشجيعية زاد استلام القمح..  3400 طن قمح في مراكز دير الزور    علي خامنئي… مرشد الثورة وباني إمبراطورية الظل الإيرانية انطلاق امتحانات الفصل الأول في معاهد جامعة الفرات  هجمات جديدة.. ترامب يهدد وخامنئي يرفض الاستسلام ويتوعد إنتاج وفير لمشمش غوطة دمشق الشرقية  بين ضعف التسويق وانعدام التصدير   من الحرب الى التحدي الرقمي .. لماذا لاتصل التكنولوجيا الى السوريين؟  سوريا في قلب التأثيرات الاقتصادية. تضخم وازمة توريدات مخاوف من استمرار الحرب الإيرانية- الإسرائيلية... الأوقاف الإسلامية.. آلة مالية ذكية لإعمار المستقبل  ما تحتاجه سوريا اليوم خريطة وقفية اقتصادية   جديد الاقتصاد.. مديرية التقانة والتحول الرقمي تعزيزاً للاقتصاد..إقرار نظام جديد للاستثمار في المدن الصناعية نقل دائرة السجل المدني من جرمانا يفاقم معاناة الأهالي  The National Interest:  دول الشمال العالمي  مسؤولة عن نصف إجمالي الانبعاثات الكربونية  سوريا تختار الحياد.. التركيز على الشأن الداخلي وتعزيز الحضور الدولي