رجع الرجال إلى البيوت عند الفجر بعدما اطمأنوا من إخماد الحريق.
ترددت هذه العبارة على مسمعي في كل الاتصالات التي أجريتها مع أقرباء وأصدقاء في اللاذقية وطرطوس وحمص، خلال الأيام القليلة الماضية التي شهدت حرائق أتت على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والحراجية في المحافظات السورية الثلاث التي أتينا على ذكرها. ما من شك أن جهوداً كبيرة بذلت لتقليص الخسائر ومنع امتداد الحرائق إلى رقعة أكبر، وما من شك أن الجهد الإعلامي قد أثمر تحشيداً حكومياً أكبر تمثل في إرسال فرق إطفاء من المنطقة الجنوبية إلى المحافظات التي نكبت بتلك الحرائق. نتمنى لو أن رد الفعل كان أسرع، لكن العتب الآن لن يقدم فائدة آنية ولا سيما أنه غير خاف على أحد ما نفتقر إليه من إمكانات، خسرنا جزءاً كبيراً منها في الحرب التي شنها علينا أعداء تقدمنا، فمنذ الأيام الأولى لتلك الحرب أذهلنا هجوم الإرهابيين على سيارات الأطفاء والإسعاف والمطارات الزراعية، ما حرمنا من بضعة طائرات كانت تستخدم في إخماد الحرائق والاستمطار ورش المبيدات.
يجب وبأقصى سرعة التعويض على من فقدوا بساتينهم مالياً كي يقووا على الاستمرار في العيش كي يعيدوا غرس بساتينهم بالزيتون والعنب والتفاح. وتعرف مديرية الحراج دورها في إعادة غرس الأراضي المحروقة بالأشجار الحراجية.
ما يشجعنا على هذا الصعيد أن القانون في بلادنا يمنع استخدام الأراضي الزراعية والحراجية المحروقة في أي أعمال مغايرة لوظائفها قبل أن تحترق. وأرى أن تشهد إعادة الزراعة فزعة شعبية يشارك فيها طلاب الجامعات والمدارس والعمال في الدولة والقطاعين العام والخاص. ومطلوب منا قبل هذا الحريق وبعده أن نداوي طقسنا الذي يزداد حرارة بغرس ما نقوى على غرسه من أشجار لا في الغابات والأحراش والحقول وحسب بل في كل مكان من ريفنا ومدننا.
لقد فقدنا في سياق الحرب علينا ثلث غاباتنا على الأقل وملايين الأشجار في كل مكان سواء لإقامة مشاريع ربحية أم منشآت صناعية أم مطاعم وفنادق، ولعب الإهمال دوراً مذهلاً في يباس كثير من الأشجار وهي مصاف للغبار والدخان الأسود، ومضخات للهواء النقي (الأوكسجين) وبه نعيش ودونه لا تبقى على قيد الحياة سوى دقائق..!!
كنّا قبل الحرب نغرس ٣٠ مليون شجيرة كل عام، وبذلت جهود كبيرة لزيادة الرقم إلى ٤ ملايين في العام الحالي، ولعل الفزعة التي تحدثنا عنها وتشجع عليها خسائرنا بسبب الحرائق الأخيرة، تنهض بالعدد وقد تضاعفه، غير متجاهل أن العالم من حولنا يشتعل، فهذا العام شهد أعلى حرارة منذ ٥٠٠ سنة وعرف حرائق ضخمة في غابات كبرى، ما جعل الحاجة إلى التشجير ضرورة وطنية وإنسانية.
ميشيل خياط
التاريخ: الخميس 17-10-2019
الرقم: 17100