أبدى رجل مسن مر بجانبي عند جسر فيكتوريا في دمشق ظهر أمس أساه على نهر بردى، وقد تحول هناك -أي في قلب دمشق – إلى مياه سوداء آسنة مغطاة بالنفايات، تفوح منه روائح كريهة، فقلت له لن يبقى أسود، سيعود عذباً رقراقاً.
لم أقنعه، مضى يتمتم، ليتهم يعدونه شارعاً من شوارع دمشق وينظفونه.
وبسبب متابعتي لحال بردى منذ زمن بعيد أقوى أن أوضح لماذا سيعود نهراً حيّاً وحيوياً، ولعل هذا الايضاح يقلص من صعوبة الإجابة عن السؤال المشروع: متى؟
ولعل أغلبنا يعرف قصة بردى مع جفاف مجراه، التهمت مياهه الزراعة المزدهرة في سهل الزبداني والزيادة السكانية الهائلة في دمشق وضواحيها، ولَم يعد نبعه يتدفق إلا مرة كل عشر سنوات عندما تنهمر الثلوج بغزارة والأمطار بكثافة، وغاب رافده الكبير – نهر الفيجة – في صنابير البيوت والمنشآت والورش، وكانت مشاريع تطوير نقله إلى دمشق (نفق قاسيون)، قد صممت لإرواء مليون إنسان، ودمشق وضواحيها الآن عشرة ملايين إنسان.
ولَم يعد يجتاز ٧١كم ليصب في بحيرة العتيبة في آخر غوطة دمشق، وقد جفت منذ سنوات عديدة.
طرحت مشاريع كثيرة قبل الحرب على سورية لإنقاذه من التلوث، مثل سد العادلية والسدود الجوفية، ولَم ينفذ منها سوى ثلاث محطات لمعالجة مياهه الآسنة: مضايا – جرمايا – الهامة، علما أن التلوث الشديد يضرب مجرى النهر بدءاً من دمر وعلى امتداد خانق الربوة. لعبت الحرب الجائرة على سورية دوراً كبيراً في تدمير شبكة الصرف الصحي التي كانت تنقل نفايات دمشق السائلة إلى محطة عدرا وازداد النهر تلوثاً.
بارقة الأمل الجديدة أعلنت عنها الدكتورة غادة بلال الأستاذة في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق باختصاص -بيئة- وهي نائب عميد المعهد العالي للتخطيط الإقليمي في تلك الجامعة، إذ تقدمت بمشروع لإنقاذ النهر وإعادته نهراً يضج بالتنوع الحيوي، عبر إقامة عدة محطات معالجة -نباتية على مسار النهر من الوزان في دمر إلى ساحة المرجة، محطات تعتمد على النباتات القصبية التي تلتهم الأوساخ وتبقي على الماء، إلى جانب تنظيف المجرى وزراعة جوانبه بالنباتات، المنقية للمياه وإعادة مجراه ترابياً مثلما كان منذ أن رأى النور، ورفع جميع مصدات المجارير من جبل الرز والمطاعم والمقاهي وإبعادها عن النهر.
وحظي مشروعها بدعم جامعة دمشق وهيئة البحث العلمي التي مولت مخبر بردى ومستلزمات البحث العلمي لستة طلاب دراسات عليا (ماجستير ودكتوراة) وخص مجلس الوزراء هذا المشروع بتمويل جيد، وقررت محافظة مدينة دمشق تنفيذ المشروع بوساطة عمالها ومهندسيها وآلياتها، كما وافقت إدارة الصندوق الأخضر في وزارة الإدارة المحلية والبيئة على المساهمة في التمويل، ولَم يبق للتنفيذ سوى ورقة تنتظر منذ شهر أن تنتقل من وزارة الموارد المائية إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة ثم إلى محافظة دمشق ليتم توقيع عقد المشروع مع جامعة دمشق، وتلح هذه المقالة على الإسراع في الإجراءات الورقية الإدارية، لأن بردى النظيف المتدفق العطر، صحة للشام وزوارها، صحة جسدية ونفسية، ووسام لعاصمة وطن هزم الاٍرهاب العالمي. عاصمة جديرة أن تعود فيحاء.
أروقة محلية – ميشيل خياط