ازدادت أزمة النقل الداخلي حدة للأسف الشديد، مع افتتاح العام الدراسي الجديد، في وقت كنّا نتمنى فيه أن تتقلص حدتها إثر الإجراءات التي اتخذت لضبط عمل الميكروباصات، ولعل واقع دمشق أكثر ألماً، سواء في النهار أم في المساء، على أغلب الخطوط داخل المدينة وإلى ضواحيها أو القرى القريبة منها، التي يسكنها أغلب من يعملون ويدرسون في العاصمة.
وما من شك أن الهدف من مقاربة هذا الموضوع إعلامياً، هو إيجاد حل يخفف المعاناة أو يتيح تجاوزها، وهذا هو الأداء النبيل للإعلام الوطني.
ولعل الحافلات في ظروفنا الراهنة – ظروف ما بعد الحرب الإرهابية على سورية – هي الحل الأمثل، وليس الوصول إليها بصعوبة اللجوء إلى قطار الأنفاق المترو -مثلاً-، ولقد أعلنت الحكومة في حزيران الماضي عن التعاقد بالتراضي على ٥٠٠ باص جديد ستصل تباعاً خلال ستة أشهر ولكل سورية.
في دمشق التي أتابع وقائعها ميدانياً، نجحت الحافلات في توفير نقل مريح لعشرات ألوف المواطنين يومياً من الكراجات إلى المواساة وبالعكس،إذ ينطلق باص الدوار الجنوبي كل عشر دقائق من المحطة الأساسية، بوجود مراقبين يسهرون على المواعيد والحالة ذاتها نجدها على خط جسر السيد الرئيس – باب توما، علماً أن الباصات على هذين الخطين حكومية.
وعندما دخل القطاع الخاص، مجال النقل العام بالباصات، حقق انفراجاً، سرعان ما التهمته الزيادة السكانية الكبرى، واهتراء الكثير من الباصات وعدم تجديدها، فباتت أقل مما هو مطلوب، ويتبدى ذلك في دمشق على عدة خطوط (السومرية -شارع الثورة – وميدان شيخ وميدان ركن الدين) أما باصات النقل العام الحكومية، فلم تعد كافية بدليل غيابها عن كثير من خطوط النقل، بسبب الأعطال الكبيرة وعدم القدرة على تجديدها لأمور تتعلق بالوضع المالي للمؤسسات الحكومية، وعدم قدرتها على استيراد قطع التبديل.
ثمة شكوى مريرة اليوم من الأداء السيىء للميكروباصات التي غدت قليلة بحجة نقص كميات المازوت، أو بيع ما تحصل عليه من مازوت بالسوق السوداء لتحقيق أرباح فاحشة دون تعب. والربح مجز جداً جداً، وفي ذلك سرقة من الدولة لأن تكاليف ليتر المازوت المدعوم ٢٠٠٠ ل.س ويباع بـ٥٠٠ ل.س، وتعذيب للمواطن المتروك تحت الشمس الحارقة في الصيف دون – محطة حضارية – لزمن طويل ولتدافع شرس مقيت.
إن وصول الباصات الجديدة الخمسمئة سيشكل حلاً مهماً جداً لدمشق وباقي المحافظات.لكن هذا الحل ليس نهائياً وشاملاً.
لقد كان النقل بين محافظاتنا يعتمد على الباصات القديمة# الهوب هوب #وعلى ميكروباصات مماثلة لها، وكانت تشهد ازدحاماً هائلاً ولاسيما في الأعياد والعطل الطويلة، وكان بَعضُنَا يصعد إلى أسطحها وينتقل فيها لمسافات بعيدة – على الواقف -إلى أن جرى الترخيص للبولمانات على القانون الشهير رقم ١٠ وامتيازاته التي أغرت القطاع الخاص أن يحضر مئات البولمانات، وصولاً إلى تطور لاحق:بولمانات الـVIP وترافق ذلك مع السماح باستيراد الميكروباصات الصغيرة ١٢ راكباً بدءاً من العام ١٩٩٠ وجيء بخمسين ألفاً منها.
ومن الخطأ الفادح تجاهل العامل السكاني، فنحن نزداد زيادة سكانية هائلة، وهي تلتهم ما جئنا به قبل ثلاثين عاماً (نزداد أكثر من ٨٠٠ ألف نسمة سنوياً).
أدعو لتطوير النقل الداخلي وتشغيل ميكروباصات جديدة متطورة وربما مكيفة، بعد إحداث شركة تحتويها وتصون حقوقها وتلزمها بواجباتها، وثمة شرائح من الركاب مختلفة ومتباينة، وهناك من يؤثر ركوباً محترماً ولو بسعر أعلى ما سيخفف الضغط على الوسائل القديمة قد يساعدنا قانون الاستثمار الجديد في الوصول إلى هذا الهدف.
وإذ يقر الجميع أن مصاعب النقل الداخلي لم تعد تحتمل التأجيل، يجب التحرك باتجاه،مبادرات إيجابية إبداعية، تستفيد من حلول لجأنا إليها سابقاً، كجمعيات النقل الريفية.
إن نقلاً مريحاً يوفر للناس حياة أجمل وأفضل.
أروقة محلية – ميشيل خياط