الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
إن الماركسية هي فلسفة تغييرية، ولدت مواكبة لحركات العدل الاجتماعي في القرن التاسع عشر، وموازية لفلسفات عصرها الكبرى ومتفاعلة معها. ولكنها تميزت منها بوضوح روحها الثورية وبعدها التغييري. وبهذا كانت مؤهلة أكثر من سواها لأن تنغمس في الحركة الكفاحية، ولهذا أيضاً ارتبطت شيئاً فشيئاً بالسياسة، واندرج بين حامليها سياسيون تفوقت لديهم خصائص السياسة وصفات السياسي على خصائص الفلسفة وصفات رجالها.
وفي أيامنا هذه قد تبدو الكتابة عن ماركس وفلسفته سباحة بعكس التيار. فقد استقر في عقول الكثير من الناس، وبينهم عدد من المثقفين والباحثين، أن انهيار النموذج السوفييتي للاشتراكية، ونظام الأحادية السياسية والفكرية والثقافية، هو هزيمة ألحقها التاريخ بالماركسية ذاتها. وكثيراً ما نقرأ عبارات من مثل نهاية الماركسية، وأفول ماركس وغير ذلك، ترد في كتابات عدد من الماركسيين وغير الماركسيين. وتنم هذه العبارات حين ترد على ألسنة عدد من الماركسيين عن يأس بعض من كانوا مفعمين بالحماسة للاشتراكية فأحبط انهيار التجربة السوفييتية حماستهم، وأصابهم بارتباك فكري عجزوا من خلاله عن تلمس عوامل الانهيار التي تكمن في التجربة المنهارة ذاتها.
أما خصوم الماركسية الذين يتغنون بسقوطها مع سقوط الاتحاد السوفييتي، فهم ينطلقون في هذا من المطابقة بين الماركسية ونظام الحكم السوفييتي. وفي هذه المطابقة خطأ منهجي ونقص معرفي واضحان. ويأتي الخطأ المنهجي من جهة أن الفكر لا يجوز أن يحاسب على أخطاء حامليه، أما النقص المعرفي فيأتي من عدم القدرة على اكتشاف نقاط الضعف في الماركسية ذاتها، ووضع اليد على النقطة الرئيسة بينها، وهي التي شكلت المرتكز الأهم لقيام نظام أحادي غير ديمقراطي، وهذا ما يسعى هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (تجدد ماركس)، تأليف: عطية مسوح، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يسعى للوصول إليه.
فلسفة ماركس
إن الفلسفة لا تموت، هذا ما يؤكده تاريخ الفكر الإنساني، وما يكون عظيماً في عصره من فلسفة وأدب يكون خالداً ومؤثراً في كل عصر. وها نحن أولاء ما نزال نستضيء بكثير مما تحمله الفلسفة الإغريقية، كما أن الفلسفات الأوروبية الحديثة ما تزال تحتفظ بحضورها، وتحظى بالتفات المفكرين إليها.
وما يحاول هذا الكتاب، وعبر فصوله الثلاثة، الوصول إليه هو أن فلسفة ماركس التغييرية لم تنتهِ بانهيار النموذج «الاشتراكي» السوفييتي، بل يمكن القول إن ذلك النموذج كان عبئاً عليها، قام على إخضاعها لرؤى سياسية ورغبات ثورية قاصرة، وحمّلها تبعة ذلك. إن الماركسية تحررت من عبء ذلك النموذج بانهياره، وصارت أكثر قابلية للتطور والنمو، وبالتالي، لاستعادة الفاعلية في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وعليه فإن هذا الكتاب هو محاولة للمساهمة في القراءة الجديدة للماركسية، وفي تجدد ماركس في ظروف القرن الحادي والعشرين.
الاشتراكية والماركسية
يهدف الفصل الأول من هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان (الفكر الاشتراكي والفكر الماركسي) إلى الإسهام في الخروج من الانغلاق الناتج عن تضييق دلالة بعض الكلمات مثل: اشتراكي، اشتراكية، ماركسي، وماركسية؛ هذا التضييق الذي أدى إلى بعثرة جهود القوى الاشتراكية، وإلى اصطدام بعضها ببعض في الكثير من الأحيان، وإلى هدر فرص التوصل إلى وضع برامج مشتركة تقوم على تحديد مهمات مرحلية لمراحل قصيرة الأمد أو طويلة نسبياً. فدعاة الاشتراكية في هذا الزمن هم بحاجة إلى الخروج من الأطر الفكرية والسياسية والتنظيمية والعملية التي حددت حركاتهم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، والتكيف مع عصر جديد بكل معاني الجدة، دشنته ثورة الاتصالات والمعلومات التي طبعت الاقتصاد والسياسة والثقافة بطابعها، وفرضت إيقاعاتها على كل مجالات الحياة.
الماركسية والديمقراطية
يحاول الفصل الثاني من هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان (الماركسية والديمقراطية)، يحاول وضع اليد على جذر الأفكار والنظريات غير الديمقراطية في فلسفة ماركس، التي هي – كما نرى – ديمقراطية منطلقاً وهدفاً، وذلك بغية استبعاد ذلك الجذر، واستكمال السياق الديمقراطي لهذه الفلسفة. لأن على النظام الاشتراكي الذي يطرح نفسه بديلاً للرأسمالية المتطورة، أن يحافظ على مبادئ الديمقراطية المذكورة، وأن يسير بها خطوة إلى الأمام بالسير في طريق العدالة الاجتماعية، وتأمين حقوق أفضل فأفضل للكادحين.
ضرورة تاريخية
يتضمن الفصل الثالث والأخير في هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان (ثورة أكتوبر.. الرغبة الثورية، والضرورة التاريخية)، يتضمن رؤية جديدة للثورة البلشفية من خلال الأفكار التي تضمنها الفصلان الأول والثاني، وأساس هذا الفصل هو بحث قُدم لندوة (ثورة أكتوبر والعالم العربي)، التي عُقدت في تونس بمناسبة الذكرى المئوية للثورة البلشفية.
التاريخ: الثلاثاء26-11-2019
رقم العدد : 975