الملحق الثقافي:حاتم حميد محسن:
لنفرض أن شخصاً ما لا يتفق أخلاقياً مع شخص آخر حول قضية معينة، مثل عدم الاتفاق حول فكرة أن وضع الإنسان الاقتصادي يتقرر وفقاً للثروة التي كانت معه عند الولادة. في مثل هذا النقاش، يعتبر أحد المتحدثين نفسه صائباً في القضية بينما الطرف الآخر هو على خطأ. الطرف المقابل في الحديث يفترض أن الأول يرتكب حماقة. بكلمة أخرى، كلا الطرفين يفترضان أن احدهما فقط على صواب. النسبيون يرفضون هذا الافتراض. هم يعتقدون أن الفكرتين الأخلاقيتين المتصارعتين كلتاهما على صواب. الاشتراكي المتطرف والرجل الآخر المخالف له في الرؤية كلاهما متساويان في الصواب، هما فقط يشغلان رؤية أخلاقية مختلفة.
تعرضت النسبية للنقد على نطاق واسع، لقد هوجمت باعتبارها فكرة سخيفة وغير ناضجة وحتى غير منسجمة. الفلاسفة الأخلاقيون والثيولوجيون وعلماء الاجتماع يحاولون تحديد القيم الموضوعية لكي يمكنهم التصدي لتهديد النسبيين، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. النسبية الأخلاقية هي عقيدة معقولة ذات مضامين هامة في كيفية التصرف أثناء حياتنا وتنظيم مجتمعاتنا والتعامل مع الآخرين.
اختلاف جذري
تختلف الأخلاق جذرياً عبر الزمان والمكان. إحدى المجموعات الخيّرة يمكن أن تكون مجموعة أخرى شريرة. انظر إلى آكلي لحوم البشر وهي الحالة التي مورست من قبل جماعات في كل جزء من العالم. الأنثروبولوجية Peggy Reeves Sanday وجدت دليلاً على آكلي لحوم البشر في 34% من الثقافات. أو انظر إلى المباراة الدموية التي مورست في المسارح الرومانية والتي كان فيها الآلاف من المشجعين المتحمسين يشاهدون أناساً منخرطين في معارك مميتة. القتل لأجل المتعة لوحظ أيضاً بين الثقافات التي كانت تعتبر قطع الرأس كفعالية ترفيهية. العديد من المجتمعات مارست أيضاً أشكال متطرفة من التعذيب والإعدام، كما كان يحصل في أوروبا قبل القرن الثامن عشر. وهناك ثقافات ترتكب أشكال مؤذية من تحوير وتعذيب الجسد، مثل قطع الجلد والإخصاء وتكبيل قدمي الفتاة، وهي ممارسة استمرت في الصين لأكثر من ألف سنة واستلزمت عذاباً مؤلماً للبنات الشابات. الاختلافات في المواقف نحو العنف يتوازى مع اختلافات في المواقف نحو الجنس والزواج. عند دراسة المجتمعات المستقلة ثقافياً، وجد الأنثروبولوجيون أن أكثر من 80% منها يجيز تعدد الزوجات. الزواج المرتّب شائع أيضاً وفي بعض الثقافات يتزوج البعض من بنت لا تزال لم تنضج جنسياً أو حتى أقل عمراً. وفي أجزاء من إثيوبيا، تتزوج نصف البنات قبل سن الخامسة عشرة.
بالطبع، هناك أيضاً تشابهات ثقافية في الأخلاق. لا يمكن لجماعة معينة الاستمرار طويلاً لو سمحت بهجمات غير مبررة على الجيران أو لا تشجع تربية الأطفال. ولكن ضمن هذه القيود الواسعة، تقريباً كل شيء ممكن. بعض الجماعات تمنع الهجوم على البيوت المجاورة لكنها تشجع الهجوم على القرى القريبة. بعض الجماعات تشجع الآباء على ارتكاب وأد الأطفال، أو استعمال العقوبة الجسدية ضدهم أو قسرهم على العمل الإجباري أو العبودية الجنسية.
مثل هذه الاختلافات تحتاج إلى توضيح. إذا كانت الأخلاق موضوعية ألا يجب أن نرى إجماعاً كبيراً عليها؟ الموضوعيون يجيبون بطريقتين مختلفتين: أولاّ إنكار الاختلافات. بعض الموضوعيين يقولون إن الاختلافات الأخلاقية جرى تضخيمها كثيراً – الناس في الواقع، يتفقون حول القيم لكن لديهم معتقدات واقعية مختلفة أو ظروف حياة تقودهم للتصرف بشكل مختلف. فمثلاً، مالكو العبيد ربما يعتقدون أن عبيدهم هم في مرتبة فكرية متدنية، وأن الجماعات التي مارست الوأد ربما اُجبرت على ذلك بسبب نقص الموارد في مناطق التندرا الفقيرة. لكن من غير المقنع أن كل الاختلافات الأخلاقية يمكن توضيحها بهذه الطريقة. الاختلافات في المعتقدات وظروف الحياة نادراً ما تبرر السلوكيات قيد التساؤل. هل إن عقدة النقص لدى جماعة معينة تبرر حقاً استعبادها؟ إذا كان ذلك صحيحاً فلماذا لا نعتقد أنه من المقبول استعباد الناس ذوي المرتبة المتدنية؟ هل الحياة في مناطق التندرا تبرر الوأد؟ إذا كان الأمر كذلك لماذا لا نقتل الأطفال الفقراء حول العالم بدلاً من منح التبرعات لجمعية أوكسفام الخيرية؟ الاختلاف في الظروف لا يبيّن أن الناس يشتركون بالقيم، بل يوضح لماذا تكون القيم مختلفة.
ثانياً، إنكار أن الاختلافات مهمة. الموضوعيون الذين يعترفون بوجود الاختلافات الأخلاقية يجادلون أن الاختلافات لا تعني النسبية، النظريات العلمية تختلف أيضاً، ونحن لا نفترض أن كل نظرية صحيحة. هذه المقارنة محكوم عليها بالفشل. الاختلاف في النظرية العلمية يمكن توضيحه بملاحظات غير كافية أو وسائل فقيرة، التحسن في كل منها يقود نحو الالتقاء. عندما يُحدد الخطأ العلمي، تُجرى التصحيحات. بالمقابل، الأخلاق لا تتبع مسار الاختلافات في الملاحظة، ولا يوجد هناك دليل على التقاء عقلاني نتيجة للصراعات الأخلاقية. العبودية الغربية لم تنته بسبب الملاحظات العلمية الجديدة، وإنما انتهت مع الثورة الصناعية التي بشّرت بالاقتصاد القائم على الأجور. في الحقيقة، العبودية أصبحت أكثر انتشاراً بعد التنوير عندما تحسنت العلوم. حتى مع فهمنا الحديث للمساواة، أوضح بنيامين سكنر أن هناك الكثير من الناس يعيشون في عبودية حقيقية في العالم اليوم مقارنة بتجارة العبيد عبر الأطلسي. عندما تلتقي المجتمعات أخلاقياً، فهي عادة بسبب أن إحداها تسيطر على الأخرى. أما الأخلاق، فهي على خلاف العلوم، لا وجود لمعيار متميز جداً يمكن استخدامه لاختبار وتأكيد أو تصحيح حالات عدم الاتفاق عند بروزها.
الموضوعيون ربما يجيبون بأن التقدم الأخلاقي حصل بالفعل، أليست قيمنا أفضل من تلك السائدة في المجتمعات البدائية التي مارست العبودية، أو أكل البشر؟ هنا نحن في خطر التعجرف في افتراض التفوق. كل ثقافة تفترض أنها تمتلك الحقيقة الأخلاقية. من المنظور الخارجي، ربما يُنظر إلى تقدمنا كتراجع. انظر إلى التصنيع في قطاع الزراعة، التحطيم البيئي، أسلحة الدمار الشامل، الاستغلال الرأسمالي، العولمة القسرية، التقوقع في أطراف المدن، ممارسة إرسال الأقارب من كبار السن إلى بيوت الرعاية. ربما تبدو طريقتنا في الحياة غريبة للعديد من الناس الذين جاؤوا من قبل وللعديد الذين سيأتون لاحقاً.
الاختلافات
الاختلافات الأخلاقية يمكن توضيحها بشكل أفضل عبر افتراض أن الأخلاق، خلافاً للعلم، لا ترتكز على العقل أو الملاحظة. على ماذا إذا ترتكز؟ للإجابة على هذا السؤال نحتاج للنظر بالكيفية التي يتم بها تعلّم الأخلاق.
الأطفال يبدؤون تعلّم القيم عندما يكونون صغاراً جداً وقبل أن يتمكنوا من التفكير بفاعلية. الأطفال الصغار يتصرفون بطرق لا يمكن أن نقبلها أبداً مع البالغين: هم يصرخون، يرمون الطعام، يخلعون ملابسهم أمام الناس، يضربون، يخدشون، يلسعون، وعموما يخلقون مشاجرات. التعليم الأخلاقي يبدأ منذ البداية، حينما يصحح الآباء هذه السلوكيات غير الاجتماعية، هم عادة يقومون بهذا عبر التأثير على مشاعر الأطفال. الآباء يهددون بالعقوبة البدنية (هل تريد الضرب؟)، أو التهديد بسحب الحب (أنا سوف لن ألعب معك مرة أخرى)، أو النفي دون محاكمة (اذهب إلى غرفتك)، الحرمان (لن تحصل على حلويات بعد الآن)، أو الإفصاح عن عدم الثقة الضمني (انظر إلى الألم الذي سبّبته). كل واحدة من هذه الطرق تدفع الطفل ذا السلوك السيئ لممارسة مشاعر سلبية وربطها بالسلوك المعاقب. الأطفال يتعلمون أيضاً عبر التنافذ العاطفي. هم يرون ردود أفعال آبائهم للأخبار الجديدة أو كتب القصص. هم يستمعون ساعات إلى أحكام حول الجيران غير الناضجين، زملاء العمل اللاأخلاقيين، الأصدقاء غير المخلصين. الأطفال كمقلدين ماهرين يستوعبون المشاعر التي يعبّر عنها الآباء، وزملاؤهم عندما يتقدمون قليلاً في السن.
ردود الأفعال العاطفية ليست فقط وسيلة ملائمة لإكتساب القيم: انها ضرورية. الآباء أحياناً يحاولون التفكير مع أطفالهم، لكن التفكير الأخلاقي يعمل فقط عبر توجيه الانتباه للقيم التي استبطنها الطفل سلفاً من خلال ردود الأفعال العاطفية. مهما كان مقدار التفكير لا يمكنه الإضرار بالقيم الأخلاقية لأن كل القيم هي بالتأكيد، مواقف عاطفية.
هناك بحث حديث في علم النفس يدعم هذا التنبؤ. نحن نقرر ما إذا كان شيء ما خاطئاً عبر التأمل الذاتي في مشاعرنا. إذا كان الفعل يجعلنا نشعر بسوء، نحن نستنتج أنه خطأ. بالانسجام مع هذا، أحكام الناس الأخلاقية يمكن تحويلها عبر تغيير مواقفهم العاطفية. فمثلاً، عالمة النفس Simone Schnall وزملاؤها وجدوا أن التعرض للقاذورات أو روائح الإنسان الكريهة أو الأفلام المثيرة للاشمئزاز يدفع الناس لاتخاذ أحكام أخلاقية قاسية حول ظاهرة ليست ذات علاقة. عالم النفس Jonathan Haidt وزملائه بيّنوا أن الناس يتخذون أحكاماً أخلاقية حتى عندما لا يستطيعون إعطاء أي تبرير لها. عواطفنا تؤكد أن مثل هذه الأفعال خاطئة حتى عندما لا تنتج عنها أي آثار أو أضرار للضحية.
إذا كانت الأخلاق مرتكزة على أساس عاطفي، عندئذ فإن الناس الذين يفتقرون لعواطف قوية سيكونون منغلقين عن عالم الأخلاق. هذا التنبؤ ثبت صحته لدى المرضى النفسيين الذين اتضح أنهم يعانون من عجز عاطفي عميق. عالم النفس James Blair أوضح أن المرضى النفسيين يتعاملون مع القواعد الأخلاقية كمجرد أعراف. هذا يشير إلى أن العواطف هي ضرورية لعمل أحكام أخلاقية. الحكم بأن شيئاً ما خاطئ أخلاقياً هو استجابة عاطفية. ذلك لا يعني أن كل استجابة عاطفية هي حكم أخلاقي. الأخلاق تستلزم عواطف معينة. البحث يقترح أن العواطف الأخلاقية الرئيسية هي الغضب والاشمئزاز عندما يتم الفعل من قبل شخص آخر، والشعور بالذنب والعار عندما يتم الفعل من قبل الشخص ذاته. يمكن القول إن المرء لا يلجأ إلى موقف أخلاقي تجاه شيء ما إذا لم يكن لديه ميل إلى كل من هاتين العاطفتين الموجهتين (الذات والآخر). أنت ربما تشمئز من تناول لسان البقرة ولكن ما لم تكن أخلاقياً نباتياً فأنت سوف لن تخجل من تناولها.
في بعض الحالات، العواطف الأخلاقية المكتسبة في الطفولة يمكن إعادة اكتسابها لاحقاً في الحياة. الشخص الذي يشعر بالخجل من شيء ما ربما لاحقاً يشعر بالخجل من الشعور بالخجل. هذا الشخص يمكن القول إن لديه نزعة تلقينية للنظر إلى ذلك الشيء باعتباره غير أخلاقي، ولكن أيضاً لديه إيمان بأن هذا الشيء مسموح به، والإيمان الأخير يساعد في كبح النزعة الأولى بمرور الزمن.
هذا لا يعني القول إن العقل غير ملائم للأخلاق. يمكن للمرء من خلال التفكير المكثف إقناع شخص ما بأن تناول اللحوم عمل خاطئ، لكن الحجة الوحيدة التي تعمل هي تلك التي تلجأ إلى العواطف القبلية. سوف لن تكون هناك فائدة من الجدال حول النباتية مع شخص لا يرتعش من فكرة قتل الأبرياء. وكما ذكر ديفيد هيوم أن العقل دائماً عبد للعاطفة.
إذا كانت هذه الصورة صحيحة، فنحن لدينا مجموعة من قيم أساسية مشروطة، وقدرة على التفكير، تسمح لنا بتمديد هذه القيم إلى حالات جديدة. هناك اثنان من المضامين الهامة. الأول، هو أن بعض النقاشات الأخلاقية لا يمكن الوصول فيها إلى قرار بسبب أن كلا الجانبين لديهما قيم أساسية مختلفة. هذا عادة الموقف مع الليبراليين والمحافظين. البحوث تقترح أن المحافظين يقيّمون بعض الأشياء التي هي أقل أهمية لليبراليين، بما فيها هياكل السلطة الهرمية والثقة الذاتية والتضامن ضمن الجماعة والنقاء الجنسي. النقاشات حول الرفاهية والسياسة الخارجية والقيم الجنسية أصبحت في وضع حرج بسبب هذه الاختلافات الأساسية.
الثاني، هو أننا لا نستطيع تغيير القيم الأساسية بواسطة العقل وحده. مختلف الأحداث أثناء الطفولة ربما قادرة على إعادة تشكيل عواطفنا المغروسة بما فيها الصدمة وغسيل الدماغ والانغماس في جماعة جديدة (نحن لدينا ميل لاواع نحو الامتثال الاجتماعي). العقل يمكن استخدامه لإقناع الناس أن قيمهم الأساسية هي بحاجة للمراجعة لأن العقل يمكنه اكتشاف متى تكون القيم غير منسجمة ومدمرة ذاتياً. مقال في النسبية ربما يقنع المرء في التخلي عن بعض القيم الأساسية على أساس أنها منغرسة اجتماعياً. لكن العقل وحده لا يستطيع غرس قيم جديدة أو التأكيد على نوع القيم التي يجب أن نمتلكها. العقل يخبرنا عما هو كائن وليس عما ينبغي أن يكون.
باختصار، الأحكام الأخلاقية ترتكز على العواطف، وأن التفكير عادة يساهم فقط بمساعدتنا على الاستنباط من قيمنا الأساسية حالات جديدة. التفكير يقودنا فقط لاكتشاف أن قيمنا الأساسية منغرسة ثقافياً وأنها قد تدفعنا للبحث عن قيم بديلة، لكن العقل وحده لا يستطيع إخبارنا أي القيم نتبنّى ولا يمكنه غرس قيم جديدة.
العقل
فرضية أن الأحكام الأخلاقية ذات أساس عاطفي يمكنها توضيح لماذا هي تختلف عبر الثقافات وتقاوم التحول من خلال العقل، لكن هذا لا يكفي لإثبات أن الأخلاق النسبية صحيحة. الجدال حول النسبية يجب أيضاً أن يبيّن أن لا أساس للأخلاق يتجاوز العواطف التي كنا نتحلى بها. النسبيون يجب أن يعطوا أسباباً للاعتقاد بفشل النظريات الموضوعية للأخلاق. الموضوعية تؤمن بأن هناك أخلاقاً واحدة صحيحة ملزمة لكل منا. لكي ندافع عن مثل هذه الرؤية، يجب على الموضوعي أن يقدم نظرية توضح من أين تأتي الأخلاق لكي يمكن أن تكون عالمية وفق هذه الطريقة. هناك ثلاثة خيارات رئيسية: الأخلاق يمكن أن تأتي من إله خيّر، أو أنها يمكن أن تأتي من طبيعة الإنسان (مثلاً، تطوير مجموعة فطرية من القيم الأخلاقية)، أو أنها تأتي من مبادئ عقلانية يستطيع تمييزها كل الناس العقلانيين، مثل قواعد المنطق والرياضيات. الكثير من الجهد بُذل في الدفاع عن كل من هذه الخيارات، وسيكون من المستحيل هنا تقديم مراجعة نقدية لكل النظريات الأخلاقية. بدلاً من ذلك، لننظر في بعض الأسباب البسيطة لكل من تلك الخيارات.
المشكلة مع طبيعة الإنسان كأساس للأخلاق العالمية هي أنها تفتقر للقوة المعيارية، ذلك أنها ذاتها لا تزودنا بأي رؤية معرّفة للخير والشر. افرض أن لدينا بعض القيم الأخلاقية الفطرية، لماذا يجب أن نقيّد أنفسنا بها؟ الكائنات اللاإنسانية عادة تقتل وتسرق وتغتصب دون أن تنال العقوبة من أعضاء جماعتها. ربما قيمنا الفطرية ترسخ ذلك النوع من السلوكيات أيضاً. هل ذلك يعني أننا يجب ألا نعاقب عليها؟ بالتأكيد كلا. إذا كانت لدينا قيم فطرية عرضة للنقاش، فهي تطورت لمساعدتنا في مسايرة الحياة كما في جامعي البذور لدى بعض الجماعات الصغيرة. لكي نعيش في مجتمعات كبيرة مستقرة، فمن الأفضل اتّباع القيم «المتحضرة».
أخيراً، المشكلة مع العقل كما رأينا، هي أنها لا تضيف شيئاً إلى القيمة. عندما أقول لك إن الخمر فيه نوع من التوازن بين الحموضة وعناصر أخرى للذوق فلا يعني أنك ستجده لذيذاً. ونفس الشيء، العقل لا يمكنه أن يخبرنا أي من قيمنا هي غير منسجمة، وأي الأفعال تقودنا إلى إنجاز أهدافنا. ولكن في ضوء اللاانسجام، لا يستطيع العقل أن يخبرنا أي من قيمنا المتصارعة يمكننا إهمالها، وأي الأهداف نتبعها. إذا كانت أهدافي تتعارض مع أهدافك، فإن العقل سيطلب مني إما إحباط هدفك أو التخلّي عن هدفي، فالعقل لا يستطيع إخباري بأفضلية خيار على آخر.
عدة محاولات حصلت لدحض مثل هذه المخاوف، لكن كل محاولة لم تقد إلا إلى مزيد من النقاش. وفي ضوء القيود الأساسية المذكورة أعلاه، فإن الموضوعية تبدو غير محتملة.
التاريخ: الثلاثاء3-12-2019
رقم العدد : 976