الثورة – إيمان زرزور:
تؤكد دراسات فكرية واجتماعية أن إعادة بناء الأوطان لا تبدأ بالحجر والإسمنت، بل بالإنسان الذي يشيد الحجر ويضع اللبنات الأولى لمستقبل أفضل، وتشير إلى أن الحرب في سوريا لم تدمر المباني فقط، بل أصابت العقول بالتشظي واليأس وأثرت على منظومة القيم والتعليم والثقافة، وهو ما يجعل إعمار العقول الركيزة الأساسية لأي مشروع وطني يعيد الثقة للإنسان ويمنحه القدرة على التفكير النقدي والإبداعي والمشاركة الفاعلة في صياغة المستقبل.
وتوضح تلك الدراسات أن إعمار العقول يعني إعادة بناء الإنسان نفسياً وفكرياً وثقافياً بعد سنوات الحرب، من خلال تعزيز قيم التسامح والحوار والانتماء الوطني، وتمكينه من أدوات العلم والمعرفة لمواجهة تحديات العصر وتطوير المجتمع.
ومما لاشك فيه فإن التعليم يمثل المحور الأول لإعمار العقول، عبر إعادة تأهيل المدارس والجامعات والمناهج بما يواكب التطورات العالمية، والاستثمار في تدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم، وإطلاق برامج لمحو الأمية وتعويض الانقطاع الدراسي للأطفال والشباب الذين حُرموا من التعليم بسبب الحرب.
كما أن الثقافة والفكر يشكلان ركيزة أساسية لإعادة الإعمار الإنساني، وذلك من خلال تشجيع القراءة والإبداع والفنون كوسائل لتوسيع المدارك، ودعم المبادرات الثقافية التي تجمع السوريين على اختلاف انتماءاتهم، إضافة إلى حماية التراث والذاكرة الوطنية باعتبارهما جزءاً من الهوية الجامعة.
وفي كل البلدان تتحمل مؤسسات الدولة مسؤولية وضع سياسات تعليمية وثقافية شاملة ودعم البحث العلمي، فيما يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً عبر المبادرات المحلية التي تنشر الوعي وتدعم الفئات المهمشة، أما الإعلام فمطلوب منه تبني خطاب وطني مسؤول يشجع على الوحدة والمعرفة، في حين يشكل المغتربون السوريون ثروة معرفية يمكن الاستفادة منها لإعادة صياغة التعليم والفكر على أسس جديدة.
إعمار الحجر من دون إنسان مثقف وواعٍ يعني بناءً هشّاً بلا أساس، بينما العقول الواعية قادرة على إدارة الموارد بكفاءة وتخطيط المدن بذكاء، فالاستثمار في التعليم والثقافة يسرّع عملية الإعمار المادي ويجعلها أكثر استدامة، ومن هنا فإن إعادة بناء سوريا تبدأ من إعمار العقول قبل الجدران، لأن العقل المستنير هو اللبنة الأولى لأي مشروع وطني قادر على الصمود والازدهار.
وفي سوريا، يعاني قطاع التعليم من آثار كارثية، إذ دمرت الحرب أكثر من 7,000 مدرسة، ما أدى إلى خروج حوالي مليوني طفل من المدارس، بينما أُفيد بأن المناهج الدراسية خضعت لتعديلات أيديولوجية كبيرة في عهد النظام البائد، ومع ذلك، بدأت خطوات لإعادة البناء التعليمي من قبل الوزارات المعنية في سوريا وسط عقبات وتحديات كبيرة للنهوض بالواقع التعليمي.