وراقو دمشق

 في الذاكرة تلك الأيام التي لم يمض عليها أكثر من ثلاثين عاما ونيفا، في دمشق وشوارعها، وكل ركن ستجد مكتبة ما، سبقتك شهرتها قبل رؤيتها على أرض الواقع، تدخر القليل من نقودك وما أقلها لتشتري كتابا ما، كنت تحلم أن يبقى في مكتبتك بعيدا عن الاستعارة التي لا أحبها، ولا أومن بها، ولنا معها قصص وحكايا طريفة قد تروى ذات يوم، تبحث عن مكتبة النوري، فلا تضيع لأنها علامة فارقة، الجميع يعرفونها أكثر من أي مطعم أو ملهى، تغذ السير إليها، تجد ما تريد، ربما يكون ما معك كافيا، أو ينقص قليلا.
يرشدك أحدهم إلى رصيف الحلبوني، عشرات الوراقين يصفون الكتب بشكل آسر وساحر، تختار ما تريد، السعر أقل كثيرا من المكتبات التي قصدتها، آخرون كثيرون يشكلون حلقات حديث مع أصحاب مكتبات الرصيف، يوما تلو الآخر تتعرف عليهم، هذا صلاح صلوحة، وذاك أبو مؤيد، وأبو طلال، واسماعيل، وآخرون كثيرون، تدهشك ثقافتهم الواسعة والثرة، لايبوحون باسمائهم الحقيقية إلا لمن تتوطد عرى الصداقة معهم.
هذا روائي، وذاك شاعر، وآخر ..ليسوا إذاً باعة عاديين أبدا، مهمومون بالأدب والثقافة، ولكل منهم مشروعه ورؤاه التي يعمل عليها، يصيبه الإحباط تارة، وتارة أخرى يمضي بهمة وعزيمة، يهمس لك أنه يرى المشهد الثقافي محتضرا إذا ما بقي على هذه الحال، تساومه على بضع ليرات من ثمن الكتاب القديم، أو الجديد، أحيانا كثيرة يقول لك: على مهلك عندما تتوافر معك النقود ادفع.
أبو مؤيد الوراق الغالي، مازال يصل المكان السادسة صباحا، ليبقى إلى الحادية عشرة ومن ثم يتجه عائدا، يبقى في المكان أبو طلال ومعه آخرون، وهاهو أبو طلال يرحل تاركا مساحة كبيرة من الفراغ كما تركها من قبله أبو مازن، وصلاح صلوحة، الذي اقترحت عليه يوما ما منذ فترة عشر سنوات (صلوحة) أن يكتب زاوية في جريدتنا تحت عنوان: الوراق، واستمر بكتابتها لفترة من الزمن، روى طرائف ومواقف من حيوات الكتاب والمثقفين علاقاته معهم، وكانت ثرة وغنية، لو أتيح له أن يدونها لكنا حصلنا على كنز من التفاصيل الجميلة.
منذ عقد من الزمن بدأ القحط يصيب أرصفة دمشق ومكتباتها، هاهي مكتبة ميسلون تغلق أبوابها إلى غير رجعة، ومكتبة اليقظة العربية، وغيرهما من المكتبات، حلت المطاعم مكانها، الكل يريد الثراء السريع، وأكشاك بيع منشورات اتحاد الكتاب العرب أغلقت أيضا، واليوم لن تجد إلا أكشاك العلكة والمتة ونفايا الصناعات الكهربائية المستوردة خصيا لنا، كل رمز جمالي تآكل وتهرأ.
الوراقون أيضا حل بهم ما أصابنا جميعا، نقل المكان، ولكن للأمانة أن المحافظة أعطتهم مساحة ما تحت جسر السيد الرئيس، هناك كنت ستجد أبا طلال ليحدثك ويناقشك، قد تحمل كتابا ما، وتقول له على مسمع الجميع(بعدين أبو طلال) يبتسم، نعم طيب، ولن تنسى أبا مؤيد بكتبه التراثية والمخبوءات من الكتب التي تحمل الاهداءات، زمن جميل، تسقط أوراقه واحدة تلو الأخرى، آه لو أن محافظة دمشق تقيم فوق فرع بردى الذي لوثته النفايات سوقا للكتاب القديم بمظهر حضاري، كم دعونا لهذا، ولكن الكتاب آخر اهتمامهم.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 6-12-2019
الرقم: 17140

آخر الأخبار
سوريا تشارك في "القمة العالمية للصناعة" بالرياض  حفرة غامضة في درعا تشعل شائعات الذهب.. مديرية الآثار تحسم الجدل وتوضّح الحقيقة داء السكر .. في محاضرة توعوية  استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية