رأي… «موسم الهجرة إلى الشمال»…لم يعـد وحيداً..

نشرت رواية «موسم الهجرة الى الشمال» الروائي السوداني الطيب الصالح 1966استشرف فيها واقعا مليئا بالأسى تعيشه القارة الافريقية وتدفع ثمنها الأرض والناس وتعيد الى الأذهان مستعمرة العبيد كما نظر اليها الغرب الذي تخلى عنها لفترة من الزمن وما ان احتاج اليها عاد، قالبا سافل الأرض أعلاها وقاطفا كل الثمار العالية (دون استعمار) ودون دبابات فالاستعمار يحن دوما الى ماأخذه عنوة كالمجرم الذي يعود الى مسرح جريمته.
كان الطيب الصالح يتحدث بلسان الشخصية الرئيسية, مصطفى سعيد» المهاجر الى بريطانية ثم العائد الى السودان والذي قتل زوجته لأنها ترفض املاءاته معتقدا أن زوجته الأجنبية تعيش تحت جناح «السيد» والرواية تستمد قوتها من كاتب عاش في بريطانيا وفي فرنسا ومات في مشفى على سرير في احد المشافي البريطانية ويعرف التاريخ الذي قضى به أجداده ويعرف كيف كانت ترهق كراماتهم في غابات افريقية الغنية وكيف غادروا وكيف عادوا ثانية الى أرض القارة السوداء يشغلون سكانها عبيدا في مصانعهم وأجراء في أراضيهم, كان يعرف الكثير لكنه كان مصراًعلى رؤية الغرب وذكر الناقد أحمد الفيتوري في مقال له «بالاندبندت العربية بعددها الصادر بتاريخ 23آب من العام الجاري أن: رواية الطيب صالح، سفر العنف، كُتبت أثناء الهجرة الأولى للجنوبيين إلى الشمال، ما بعد الاستعمار، ما حدث عقب الحرب العالمية الثانية.
مع تحقق نتائج مشروع مارشال الأميركي في أوروبا، نهضت دول الاستعمار من كبوتها الكبرى الثانية (التنافس الإمبريالي)، حيث اجتاحتها حاجة مُلحة إلى العمالة مع خمسينيات وستينيات القرن العشرين، بدأ «موسم الهجرة إلى الشمال»، وحين كُتبت الرواية كانت الهجرة المرغوبة من الغرب على أشدها، وفي أثناء هذا قام الغرب وتوابعه باستنزاف الطبيعة وتهديد الأرض، ما نتج عنه أن قارة أفريقيا دفعت الثمن النفيس. ومن هذا فالرواية استشرافية, وتصورية لمستقبل محتوم! فالقارة التي جعلها الاستعمار في مرحلته الأولى مزرعةً للعبيد في مرحلة ما بعد الاستعمار، أضحت الضحية الأبرز لاستنزاف الطبيعة وتدمير الأرض، خصوصاً أنها عاشت هذه الحقبة في حروب بالوكالة بشكل مضطرد.»
فهل بدت رواية الهجرة الى الشمال استقراء تخص السودان فقط؟ أم أنها اسقاط التاريخ الماضي على جغرافيا العرب الحاضر بشكل شبه كامل.هاجروا فأنقذوا أوروبا من الشيخوخة وأعادوا اليها الطاقة الشابة ثم حلوا في بلادنا بعد أن, فتحوا لهم الحدود وألبسوهم وأطعموهم وأجبروهم على تعلم لغتهم التي خافوا عليها من الانقراض, بحثوا في أكثر المجتمعات شبابا وقوة وعمالة فأصابوا بالسهم الهدف واما هم فقد بدؤوا يتقاسمون كل شيء في بلادنا الغنية بالثروات, في هذا الوقت بدأ المهاجرون الى «الشمال» يدركون حجم الكارثة التي أصابت بلادهم لكن كثيرا منهم يعودون وكثيرا منهم يحنون الى بلدهم دون أن تغير دول الشمال والجليد والصقيع دفء ذلك الحضن الغني حيث يقول الطيب الصالح في روايته:» نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه.»
لم يعد ذلك الموسم وحيدا!
وسوف يبقى الحنين قائماً
أيدا المولي

التاريخ: الثلاثاء 17 – 12-2019
رقم العدد : 17148

 

آخر الأخبار
بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"  وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق الخبير قوشجي لـ"الثورة": الأمن السيبراني أساس متين في التوجه نحو الاقتصاد الذكي