ليست هي المرة الأولى التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى سورية فقد سبقتها زيارة جرت في عام 2017 وتتماثل الزيارتان بكون الهدف منهما ترسيخ ما انتهت إليه لقاءات وجولات في سوتشي واستنة، والتأكيد على ثوابت سيادة سورية واستقلالها، واستمرارية التعاون العسكري الروسي السوري و وقوف القوات الروسية جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري في معارك الميدان ضد التطرف والمشاريع الاستعمارية الغربية والإشارة إلى ضرورة استئصال الشر المطلق تحت أي وجه يتخفى به والمتمثل بالإرهاب الدولي.
لكن ما يميز هذه الزيارة أنها جرت في ظل تصاعد التوترات واحتدامها في منطقة الشرق الأوسط.
تفاجئ الزيارة كبار السياسيين لأنها قد جاءت في ظل الوضع الدولي المتوتر و احتوت على رسائل تؤكد الوقوف والتصدي لما يحدث من توترات قد تقود إلى عواقب وخيمة، مع إعطاء تصور عن مرحلة قادمة ممكن أن يصار بها إلى المزيد من التعاون لدحر الإرهاب،الأمر الذي يسهم بعودة الأراضي السورية.
كما أعطت هذه الزيارة دليلا عمليا على الدعم الروسي للجيش العربي السوري ومؤازرته في مكافحة الإرهاب.
وتزامنت زيارة الرئيس الروسي إلى دمشق مع يوم اعياد الميلاد المجيد ورأس السنة حيث التقى بوتين بجنوده الروس معربا عن تقديره لهم ولما حققوه من نتائج مبهرة في مكافحة الإرهاب .
حملت الزيارة في مضمونها مؤشرات واضحة لا لبس فيها ولا غموض تؤكد على أن لا مكان للإرهاب في سورية، وأن أمن واستقرار المنطقة يمثل أولوية بالنسبة للبلدين، وأنه لن يفت بعضد تلك العلاقة ما نفذه الإرهاب الدولي المتمثل بواشنطن ومن يدور في فلكها باحتلال أراض سورية او اللجوء إلى عمليات الاغتيالات التي كان آخرها اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقد كان للزيارة الأثر العميق في التنسيق الروسي لمواجهة الإرهاب أيا كان مصدره، وإقرار ضرورة بسط سيادة الدول والالتزام بنصوص القانون الدولي. أما بالنسبة لسورية فقد تمثلت نتائج هذه الزيارة بضرورة تحرير كافة الأراضي السورية وإعادة الأمن والأمان ولا ريب أن تحقيق مثل تلك النتائج يتطلب القيام بتعاون وتنسيق عسكري وسياسي كانت بوادره ظاهرة للعيان منذ أعوام عدة بين دمشق وموسكو.
وفي هذا السياق، ذكرت وكالة سانا أن الرئيسين قد ناقشا التطورات الأخيرة في المنطقة وخطط استكمال الجهود المشتركة للقضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة المواطنين السوريين في إدلب.وأكد الرئيسان ضرورة عودة الاستقرار إلى جميع الأراضي السورية ووحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها والدفع باتجاه توفير البيئة المناسبة للانطلاق بعمليات إعادة الإعمار.
الجانب الاعلامي من الزيارة كان له الأثر الواضح بتجوال الرئيس بوتين في العاصمة دمشق و بعث رسالة للعالم عن عودة الأمان إلى دمشق وإلى القسم الأكبر من سورية في صورة واضحة على أن النصر الكامل على الإرهاب قد أوشك أن يكون ناجزا.
أما الجانب الاستراتيجي لروسيا ما قبل الزيارة فيبدو بأن روسيا قد شعرت أن الولايات المتحدة بإدارة ترامب لن تتورع عن اتباع سبل عدوانية لتحقيق مآربها لذلك قامت بإرسال السفينة «مارشال أوستينوف» إلى الشواطئ السورية لحماية قواتها من جهة وتعزيز المراقبة البحرية والجوية ولردع أي تصرف أرعن قد تقوم به الإدارة الأميركية، وقد قاد اتخاذ روسيا هذه الخطوة إثر قيام أميركا في يوم الجمعة الفائت باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.
وكان من نتائج هذا الاغتيال تبادلا للتهديدات بين كل من إيران والولايات المتحدة، وأصبح العالم وكأنه على شفير حرب عالمية ثالثة على غرار ما جرى من أحداث في الحرب العالمية الأولى عندما اندلعت شرارتها جراء اغتيال ولي العهد النمساوي الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو بإقليم البوسنة والهرسك عام 1914 الأمر الذي أدى إلى إشعال حرب ذهب ضحيتها الملايين من البشر.
زيارة الرئيس بوتين جاءت لتعبر عن عمق الصداقة بين سورية وروسيا الاتحادية وعن العلاقة الوثيقة بين الرئيسين الأسد وبوتين ولتؤكد التزام روسيا بما سبق وأن جرى الاتفاق عليه من وحدة الأراضي السورية واستعادة مدينة إدلب إلى حضن الوطن بعد إخراج إردوغان وعملائه المأجورين منها، فضلا عن التأكيد على ضرورة إخراج القوات الأميركية من الأراضي السورية والعمل بشتى الوسائل على تنفيذ ذلك.
ويبدو أنه لن يمضي طويل وقت حتى نشاهد الأميركيين وعملاءهم ومطاياهم يخرجون وهم يجرون أذيال الخيبة وحينها سنرفع رايات النصر في كل موقع من الأراضي السورية.
ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 10-1-2020
الرقم: 17165