مما لا شك فيه أن المحرك الأساسي لأي عملية إنتاجية درامية (مسلسل، فيلم، مسرحية) هو المال، فمن دونه سيصادف هذا المُنتج ضائقة خانقة قد تؤثر سلباً على الخيارات الفنية والإبداعية وتجعله أسير التنازلات المستمرة والتأجيل المتكرر والانتظار، وللأسف غالباً ما ينعكس ذلك كله سلباً في الناتج النهائي، ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن المال ليس كل شيء، فكثيرة هي الأعمال التي وصفت بالضخمة إنتاجياً ولكنها جاءت فقيرة روحاً ومضموناً وشكلاً وسقطت سقوطاً مراً، وهنا نستثني إنتاجات قليلة جداً تنتمي إلى (صفر تكلفة) يلجأ إليها بعض المهتمين، وبالتالي لا بد من هذا المحرك الأساسي (المال) أن يتمتع في مكان ما بهمٍّ ثقافي فني وطني وبهاجس إبداعي ليأتي الاستثمار بالشكل الصحيح والمفيد وبهذه المعادلة يكون الشقان المادي والإبداعي قد توافرا في العمل.
وينجر هذا الكلام على الدور الذي يمكن أن تؤديه المؤسسات المختلفة في القطاعين الخاص والعام (تجارية، صناعية..) في دعم الفن والثقافة عبر الرعايات التي تُقدَم لمشروعات فنية طموحة لا يملك أصحابها المال الكافي لتحقيقها وهذه الآلية معمول بها عالمياً ولها نظمها وأدواتها، كأن يتم تبني فيلم سينمائي أو عمل مسرحي، وكانت هناك تجارب سورية متميزة على مرِّ سنوات طويلة أنجزت هذه المعادلة، وإن بخجل، ولتحقيق ذلك وقطف ثماره بالشكل الأمثل لا بد أن يمتلك رأسمال قناعة كافية بأهمية اقتطاع جزء أو نسبة مالية معينة لتُضخ في الحراك الفني والثقافي، والأهم هو تشجيعه على فعل ذلك عبر محفزات، وهناك مثال كثيراً ما يتم التطرق إليه في بلاد تقدم إعفاءات ضريبية شرط توظيف المال في عملية الإنتاج الإبداعي. ولكن إلى أي مدى الرأسمال معني اليوم بالحراك الفني في البلد؟ خاصة تجاه ما يتعلق بالمواهب الإبداعية الشابة أو لمن يمتلك مشروعه الحقيقي، فالإجابة عن هذا السؤال تشكل مقياساً لآلية التعاطي مع هذه الفكرة مستقبلاً وتطويرها.
وضمن هذا الإطار لا بد من السعي لإرساء مفاهيم تعتبر دعم القطاع الخاص لهذه المشاريع بحد ذاته ثقافة ينبغي أن يكون لها آليات مقوننة، وبالطبع مثل هذه المفاهيم تحمل بين طياتها مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، ولكن يبقى هناك العديد من التساؤلات التي ينبغي التعامل معها بجدية للوصول إلى الصيغة المناسبة، فكيف يمكن وضع النواظم والضوابط لهذا الموضوع وكيف يمكن تشجيع الفعاليات المختلفة على تقديم هذا الدعم ليتحول إلى مفهوم عمل يُترجم على أرض الواقع عبر آليات محددة ويرفد الحركة الفنية والثقافية في سورية؟..
fouaadd@gmail.com
فؤاد مسعد
التاريخ: الاثنين 20-1-2020
الرقم: 17172