الثورة – فؤاد العجيلي
بعد انتصار الثورة السورية وعودة العلاقات الأخوية مع المملكة العربية السعودية، وبعد أن أدى السوريون مع إخوانهم من البلاد العربية والإسلامية فريضة الحج لهذا العام، ازداد الشوق لأداء مناسك العمرة، كونها الأقل تكلفة قياساً مع تكلفة الحج التي وصلت هذا العام إلى 5.200 آلاف دولار، فيما تكلفة رحلة العمرة للشخص الواحد عن طريق البر تبدأ من 500 دولار، لتصل إلى نحو 1000 دولار حسب سوية الفنادق والخدمات.
لحظة تاريخية
“الثورة” التقت عدداً من الفعاليات الرسمية والشعبية لرصد هذه اللحظة التاريخية، وأوضح مدير السياحة في حلب، المهندس حسان سويد أن عودة انطلاق قوافل العمرة تمثل علامة فارقة ومحطة أساسية في مسيرة استعادة الحياة الطبيعية للمحافظة، لافتاً إلى أنه مع فجر التحرير واستتباب الأمن والأمان، بدأت مكاتب السياحة والسفر في حلب تستعيد عافيتها ونشاطها الحيوي تدريجياً.
وأضاف: هذه الخطوة هي ثمرة حقيقية للجهود الدبلوماسية المكثفة وتعكس متانة العلاقات الأخوية التي تجمع سوريا والسعودية، فنحن اليوم لا نفتح الطريق أمام الرحلات الدينية فقط، بل نعيد إحياء حلقة أساسية من حلقات الاقتصاد السوري، إذ يسهم هذا القطاع في تنشيط حركة النقل والخدمات والفنادق والتجارة.
وعن التحديات وآفاق المستقبل، أوضح سويد أن العمل جارٍ على قدم وساق بالتنسيق مع اتحاد مكاتب السياحة والسفر ووزارة النقل لضمان أعلى معايير السلامة والجودة والتنظيم، ونطمح لأن تكون رحلة العمرة من حلب نموذجية، تليق باسم سوريا وتاريخ حلب العريق.
وختم تصريحه بالقول: هذا الإنجاز هو هدية لكل أبناء حلب الذين صمدوا أمام الحرب والتهجير، وهو رسالة أمل للأجيال القادمة بأن المستقبل سيكون أفضل، وأن أبواب رحمة الله ومقدساته باتت مفتوحة لهم من جديد.
تنافس نحو الأفضل
من جهته، أشار مدير مؤسسة للسياحة والسفر والحج والعمرة نجيب سالم، إلى الجهد الكبير الذي بذل لتنظيم الرحلات بقوله: عملنا بالتنسيق مع الجهات المعنية في سوريا وفي السعودية لضمان تقديم أفضل الخدمات للمعتمرين السوريين، الرحلة البرية طويلة، إلا أنها مليئة بجو من الإيمان والأخوة، ونحرص على توفير كل ما يضمن راحة وسلامة أبنائنا طوال الرحلة وحتى عودتهم.
وأضاف: نقوم بتنظيم برامج عمرة تناسب الفئات المجتمعية والمستويات جميعها، سواء عن طريق البر أو الجو، كما تتم إقامة شراكات ومذكرات تفاهم مع المكاتب غير الموثقة لعقود العمرة من أجل تنظيم رحلات مشتركة، تهدف إلى توسيع مروحة الخدمات.
من جانبه، أكد مدير مكتب للسياحة والسفر محمد عوامة أن عودة انطلاق رحلات العمرة بعد غياب دام 14 عاماً، إنما هي تأكيد على الروح الإسلامية التي يمتلكها أهلنا في سوريا، والتي تربط قلوبهم بالمشاعر المقدسة حجاً وعمرة، مشيراً إلى أن تنظيم قوافل العمرة بحاجة إلى خبرة ودراية بالحجز الفندقي المعتمد من قبل الجهات المعنية، سواء في سوريا أم في السعودية، وفي هذا المجال ومن خلال التعاون بين مكاتب السياحة والسفر، يتم تنظيم برامج تلبي المتطلبات جميعها.
ترميم للقلوب
فضيلة الشيخ فؤاد مصطفى، أكد أن العمرة تطهر النفس وتغفر الذنب وتملأ القلب طمأنينة، وأضاف: إن رؤية البيت الحرام وزيارة المسجد النبوي شرف عظيم، ونحن ندعو الله أن يحفظ البلدين وأن يديم علاقاتنا الأخوية، وهذه الرحلة هي ترميم للقلوب التي أنهكتها الحرب، وهي صلة للرحم مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم.
دعوة من الله
في أحد مكاتب السياحة، كان أبو عبد الله (60 عاماً) يقوم بتسليم جوازات السفر له ولعائلته، ويقول وعيناه دامعتان: أربعة عشر عاماً وأنا أدعو الله أن يرزقني العمرة قبل أن أموت، كنا نحج ونعتمر كل عام تقريباً، الفرحة لا توصف، أنا لا أسأل عن السعر، المهم أن أصل وأشكر الله على هذه النعمة، ألا وهي دعوته لنا لزيارة بيته.
أم محمد ( 45 عاماً )، كانت تتأكد من تفاصيل الرحلة مع موظف المكتب، قائلة: أريد أن أؤدي العمرة عن والديّ وأخي الذي استشهد، هذه الرحلة لها طعم آخر، الأسعار معقولة جداً مقارنة بما مررنا به، والأهم أن الطريق آمن ومفتوح.
المعتمر أبو سليمان (38 عاماً)، قال: الرحلة كانت منظمة إلى حد كبير، الخدمات في المنافذ والطرق جيدة، ولكن الأجمل هو الاستقبال في الديار المقدسة، الشعور هناك مختلف تماماً، يشعرك السعوديون بأنك ضيف عزيز عليهم. الخدمات في مكة المكرمة والمدينة المنورة متطورة جداً، نصائحي للمعتمرين الجدد أن يصبروا على مشقة السفر البري، فالجنة تستحق العناء.
تطوير الخدمات
بشكل عام، كانت آراء العائدين إيجابية تجاه الخدمات المقدمة في السعودية، مشيدين بالنقل الداخلي المكيف والتنظيم داخل الحرمين ونظافتهما، أما على الصعيد المحلي، فقد أشار بعضهم إلى بعض الثغرات البسيطة في التوقيت ومواعيد الانطلاق، والتي يتوقع أن يتم تلافيها مع زيادة وتيرة الرحلات وتجربة المكاتب المنظمة.
قوافل العمرة التي انطلقت من حلب ليست مجرد حافلات تقل مسلمين إلى أداء مناسك دينية، بل هي قوافل الأمل التي تعبر عن انتصار إرادة الحياة، وإعادة ربط أواصر المحبة والإخوة بين الشعبين السوري والسعودي، إنها رسالة إلى العالم أن سوريا تنتعش من جديد، وأن صوت التكبير والتهليل فيها أعلى من كل دوي الماضي الأليم.. إنها رحلة من الأرض المحررة إلى الأرض المقدسة، تحمل في طياتها دعوات بالفرج والمغفرة، وتعود محملة بالبركة والطمأنينة، لتؤكد أن الإيمان هو أقوى سلاح، وأن البيت الحرام سيبقى ملاذاً لكل قلب طاهر يسعى إلى ربه.