ثورة أون لاين:
آراء
الاربعاء 4/4/2007
نهلة سوسو
في القرن السادس عشر وضع (كريستوف كولومبس) قدمه على أرض القارة الأميركية عن طريق الخطأ, كما اتضح فيما بعد!
كان ذاهباً إلى الهند, بلد البهارات الثمينة فأخذته الريح إلى أرض أخرى, سيغدو تاريخها, كبدايتها, تبريراً مستمراً للأخطاء, والمجازر الجماعية بحق الشعوب الأخرى!.
تمت إبادة شعب مسالم, روحه مزيج من الشعر وعشق الطبيعة, لتبنى على عظامه وجماجمه دولة (الحرية والديمقراطية), بحيث لم يقم جسر واحد من التواصل بين المستعمر والسكان الأصليين, اللهم إلا التوجس والرفض من الهندي الأحمر, والقتل المتشفي من الرجل الأبيض!
إذن من يعمر القارة الشاسعة الشهية? ومن يستثمر الثروات الهائلة? ومن يؤسس المجتمع الهجين الذي لا مثيل له في تاريخ البشرية? لابد من حل, بدا هو الآخر جهنمياً ومشيناً للإنسانية:
سوق العبيد, شباناً وفتياناً وأطفالاً, وبالملايين, لا كما كان حال الحروب بالسبي والأسر والاستعباد, بل بسفن تقف على شواطىء افريقيا, وتصطاد من تتوسم فيه طاقة بدنية, وسلاسل ثقيلة تجر الأقدام والرقاب, وتنزع الفتى من حضن أبيه وزوجه وأمه ليوضع في أقفاص مغلقة (لنرى فيما بعد بدعة الرفق بالحيوان, واستحضار أرواح الكلاب المدللة, الساكنة في جنات النعيم!).
اليوم يراجع أحفاد (كولومبس) ثقافتنا بشغف, ويفقؤون عيوننا بحكاية الجواري في القصور, ويسمون علاقتنا بالله العزيز, تجارة الجنة, أما تجارتهم بالعبيد فلا بأس بها, لأنها ميزان العدل, الذي يرفع فيه الحيوان الأسود السائر على قدمين, أسس الحضارة التي ستعلي شأن الكلاب, وتفتح لها عيادات لعلاج اكتئابها, وربما فاتهم أن الاكتئاب يأتي غالباً من السير على أربع!
يضحك الإنسان, ضحكة قذف النجيع من أوردة القلب, وهو يسمع الجدل القائم منذ عقود, عن ضرورة اعتذار البيض عن ماضي العبودية القاتم, وماذا يعيد الاعتذار إلى القارة المفجوعة بعشرين مليون عبد, اصطيدوا منذ قرون, واستمر من بقي في القارة السمراء رهين الاستغلال والفقر والتجهيل, والاوبئة, والمجاعات التي لا يحلو لها الاستيطان إلا هناك:
ملاريا, كوليرا, ايبولا, ايدز.. أما الاهتمام بها فيأتي حين تفوح رائحة البترول أو الماس, من مكان ما في أرضها الواسعة!
طلب الاعتذار من الجلاد, هو رشقة ماء على جبل مجلل بالقار, تفوح منه روائح جرائم لا يغسلها ماء المحيطات, أما العبودية فتتناسى اليوم بأشكال جديدة تضم إلى حقلها الافريقي القديم جزءاً من آسيا: عمالة النساء في الخدمة المنزلية بعيداً عن الوطن ومسقط الرأس: الفيلبين, سيريلانكا, أندونيسيا!
لا شيء تبدل في بنية العبودية إلا وسيلة المواصلات, وجواز السفر الذي تتداوله كل الأيدي إلا يدي صاحبته! كانت البدعة خاصة بدول الخليج العربي التي سال مالها أكثر من بترولها, ومنها سمعنا عن فتاة آسيوية دفنت حية مع حملها, لأن صاحب البيت أو ابنه, استخدمها في شؤون غير شؤون الخدمة والتنظيف, أما عن الضرب المبرح فحدث ولاحرج!
وأما المخلوقة النحيلة (وهي نحيلة بالضرورة لا أدري لماذا?) فعليها أن تقفز ليل نهار بين أيدي العائلة المزاجية المرفهة.. وهذه حريتها الوحيدة, في سجن مرير لا تواصل لغوياً فيه ولا إنسانياً!
وفجأة هلت علينا البدعة.. وبتنا نراهن قرب الحمامات في المطاعم, بينما سيداتهن يتناولن الطعام المتنوع على الموائد, والاولاد يعيثون صراخاً ولعباً بين الطاولة والحمام! دخلت بدعة استيراد الخدامات مجتمعنا الذي لم يؤثر عنه التباهي بامتلاك العبيد, ولا بعد السيدة عن شؤون منزلها الخاصة واليومية حتى لو كانت أميرة, وهلل لاستيراد الاندونيسيات المسلمات حصراً (ربما لحفظ العفة وقربى الدين).
وعشت عمري على قناعة بأننا مجتمع لا يمكن أن يشتري روحاً بمئة دولار, ثم يستنزف قطرات الدم من جسدها, لتتبارى نساؤنا الراقيات بعد ذلك في الحديث عن سلبيات خادماتهن, بحيث لم أسمع من واحدة منهن أن (اندونيسيتها) تتقن التنظيف, أو تحسن العمل, أما الطبخ فأعوذ بالله, لا يمكن السماح لها بوضع اصبعها في الصحن أو القدر!
وأعجب العجب أن يكون في المنزل صبايا, وكل واحدة تستلقي في مكان, وتلقي طلباتها على الروبوت البشري (ترى هل سيتوفر لكل واحدة منهن اندونيسية في جهاز عرسها, نحن الذين كنا نتباهى بإعداد البنت لرعاية البيت وخدمته).
أما ما يدهش بحق فهو استنكار السيدات لاهتمام الخادمة بنفسها كأنثى, وقد روت لي إحداهن باحتقار شديد كيف أن خادمتها أعجبت بأحد زوارها (ألم تروا حتى القطة تختار زائراً وترقد في حضنه فتثير اعجابنا وسرورنا?).
الحيوان نعم والخادمة لا? لماذا? لأنها تركت أسرة وأهلاً, وفي معظم الأحيان أولاداً ولدتهم مثل السيدة, ولديها قلب وشعور وذاكرة?
اثيوبية شابة (وهذا الصنف من العبيد من جيل الشباب بالمطلق ليمكن استخدام قوته البدنية) ترمي نفسها من الطابق السابع في بيروت, بعد وصولها إلى مخدوميها بأسبوعين!.
وفي حي التضامن الشعبي في دمشق (لا تنسوا أن صفة الشعبي للحي معدلة لصفة الفقر دائماً), أرى اثيوبية تلوب في الشارع بحثاً عن هاتف يصلها بمكتب التخديم, علها تستعيد جواز سفرها, وتعود إلى بؤس بلادها الذي اكتشفت دون شك أنه أرحم من الوضع الذي وجدت نفسها فيه!
أيها المشاركون بهذه الجريمة العصرية, أياً كانت مشاركتكم أعيدوا النظر فيه أرجوكم! أوقفوا تجارة البشر والرقيق ولا تعيدونا إلى عصر العبودية لأي عذر كان, وكفوا قبل هذا عن وصف الخادمات بالسارقات والعاهرات, والقذرات وقاتلات الأطفال, فهؤلاء ضحايا المجتمعات الاستهلاكية التي فرضتها العولمة, وزمن الرأسمالية المتوحشة التي أخذت جيناتها من عصر العبودية المهينة لإنسانية البشر أياًكان لونهم!
وأنت أيتها المنظمات الدولية مدعية الإنسانية, دعي قضايا المرأة التي تصدعين رأسنا بها, واهتمي بتلك المرأة التي باتت تعقم قبل تصديرها, لعلم مصدريها بما ينتظرها من انتهاك واغتصاب, احميها بسلطتك قبل أن تعصر حتى جفاف الدم,وإذا اتيح لها أن تنتصر للبقاء, وتفتش عن باب تغادره إلى حريتها فقد لا تجد إلا شرفة شاهقة ترمي نفسها منها لاعنة الحياة وجلادها وقابضي ثمن دمها من الأقارب والغرباء! هلا من سامع ومجيب?.