الثورة – رفاه الدروبي:
دير القديس “موسى الحبشي” واحد من أجمل أديرة قلب البادية السورية، كونه يقع في جبال القلمون على كتلة صخرية معزولة من ثلاث جهات، ما يجعله حصناً منيعاً بالطبيعة، ويعود بناء الدير للقرن السادس الميلادي، ويبعد عن دمشق ٩٠ كم باتجاه الشمال.
رئيس دائرة آثار ريف دمشق جهاد أبو كحلة أفادنا أنَّه أصبح مقراً للراهب مار موسى، وكان أميراً حبشياً، لكنه هاجر إلى مصر وزار الأماكن المقدَّسة في فلسطين، ثم استقرَّ في دير مار يعقوب بالقرب من بلدة قارة ليعيش حياة الرهبنة، وقُتل “موسى الحبشي” على يد جنود الإمبراطور، فأتى رسول من طرف أهله لأخذ جثمانه حتى يواريه الثرى في مسقط رأسه.
أشار “أبو كحلة” إلى أنَّ للدير دوراً روحياً وثقافياً مهماً، وكان محطةً يميل إليها الحجاج مَنْ يقصدون القدس قادمين من بلاد ما بين النهرين وشمال سوريا، وأصبح في القرن السادس مرسياً أسقفياً مستقلاً، أمَّا الكنيسة الحالية فتدلُّ الكتابات العربية على جدران الدير أنَّ بناءها يعود إلى سنة ٤٥٠ هجرية ١٠٥٨م، وحدث توسيع في القرن الخامس عشر، وأضيفت بعض الأبنية ومنها الكنيسة الصغيرة ذات الأجنحة الثلاثة.
كذلك نوَّه رئيس الدائرة بأنَّه يُرجِّح بناء الكنيسة في القرن الحادي عشر للميلاد، والدليل الكتابة المنقوشة على الجدارين الشرقي والغربي، فيما تتألف الكنيسة من قسمين: صحن مُربَّع الشكل، ويتكوَّن من ثلاثة أروقة تمتدُّ من الغرب إلى الشرق، وتفصل بينها أعمدة، وتنير الرواق الأوسط نافذة كبيرة في الجدار الشرقي، بينما قدس الأقداس يضم الهيكل والمحراب، ويفصله عن الصحن حاجز بُني القسم السفلي منه بالحجر، والعلوي بالخشب.
ويتوضَّع مذبحٌ حجريٌّ داخل المحراب يحمل بعض الزخارف الهندسية البسيطة.
كما بيَّن أنَّ جدران الكنيسة زُيِّنت برسومات جدارية “فريسك”، تُمثِّل تصويراً دقيقاً لبعض قصص الكتاب المقدَّس، وتضمُّ مجموعة من الكتابات العربية القديمة والسريانية، واليونانية، وتتألف من ثلاث طبقات وتعود رسوم الطبقة الأولى إلى الفترة الواقعة بين ٤٥٠- ٤٨٨ هجرية ١٠٥٨-١٠٩٥ ميلادية حسب الكتابة الموجودة على الجدار الشرقي للرواق الشمالي..
وتعتبر من الرسوم النادرة الدالة على استمرارية الفن اليوناني المسيحي السوري، كذلك تظهر من عناصر الحركة الحيوية وقوة التعبير فيها، ولا تزال أغلب رسومات الطبقة ذاتها موجودة تحت الطبقات التالية لها.