الثورة – رولا عيسى:
شكّلت الطاقة الكهرومائية (Hydroelectric Power) لسنواتٍ عِدّة ركيزةً أساسيةً في مزيج الطاقة المتجددة في سوريا، مستفيدةً من أنهارها الرئيسية وخاصةً نهر الفرات.
وتمثل السدود الكبرى مثل سدّ الفرات (سدّ الطبقة)، مصدراً مهماً لتوليد الكهرباء النظيفة والمستدامة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تدهوراً حاداً في مساهمة هذا القطاع الحيوي، حتى تكاد تنحصر مساهمته بشكل كبير أو تتوقف في بعض المنشآت.
وبحسب الخبيرة التنموية الدكتورة زبيدة القبلان، يعود هذا التوقف إلى تفاعل معقد من العوامل البيئية والبشرية والسياسية التي أثرت بشكل جذري على قدرة سوريا على الاستمرار في الاعتماد على المياه كمصدر موثوق للطاقة المتجددة.
توقف وتراجع استخدامها
وعن أسباب توقف وتراجع استخدام الطاقة الكهرومائية في سوريا، تشير القبلان لـ”الثورة” إلى أنه بسبب شحّ المياه الحاد (أزمة الجفاف)، وتغير المناخ، إذ تعاني سوريا من موجات جفاف متكررة وشديدة في العقود الأخيرة، أدت إلى انخفاض هطول الأمطار والثلوج (المصدر الرئيسي لتغذية الأنهار).
وتنوه إلى انخفاض منسوب نهر الفرات، وهو العامل الأكثر تأثيراً بسبب اعتماد السدود الرئيسة بشكل شبه كامل على مياه نهر الفرات، وانخفض التدفق الوارد إلى سوريا بشكل كبير بسبب: مشاريع السدود في المنبع (تركيا): بناء وتشغيل سلسلة ضخمة من السدود ضمن مشروع “GAP” التركي على مجرى نهر الفرات ونهر دجلة، ما قلّص حصة سوريا من المياه بشكل كبير، ناهيك عن زيادة الاستهلاك في دول المنبع، وزيادة الطلب على المياه للزراعة والصناعة والسكان في تركيا والعراق.
ومن التأثيرات أيضاً الحرب الطويلة التي بدأت 2011، إذ تسببت بتدمير البنية التحتية، وتعرضت محطات توليد الطاقة الكهرومائية وشبكات النقل التابعة لها لأضرار جسيمة بسبب القصف، ما أفقدها القدرة على العمل أو قلص كفاءتها.
ناهيك عن نقص الصيانة والتشغيل، فالحرب أدت إلى نقص حاد في الكوادر الفنية المؤهلة، وصعوبة استيراد قطع الغيار، وعدم توافر الموارد المالية للصيانة الدورية الضرورية للمنشآت الهيدروليكية المعقدة، على حد قول الدكتورة قبلان.
وتضيف: من أسباب تراجع التوليد الكهرومائي انقطاع التيار الكهربائي، فقد تضررت الشبكة الكهربائية الوطنية بشدة، ما يؤثر على قدرة نقل الطاقة المتولدة، حتى لو كانت السدود تعمل جزئياً.
كذلك السيطرة على الموارد، فقد تباينت السيطرة على مناطق السدود بين الأطراف المختلفة خلال سنوات الحرب، ما عرقل إدارتها وتشغيلها بشكل موحد وفعال.
ومن الأسباب كذلك تراكم الطمي (الطمر الرملي)، فقد تقلصت السعة التخزينية لبحيرات السدود (خاصة سد الفرات) بشكل كبير بسبب تراكم كميات هائلة من الطمي والرسوبيات الناتجة عن انجراف التربة في المناطق المحيطة، وهذا يقلل من كمية المياه المتاحة للتخزين ولتدويرالتوربينات، وبالتالي قدرة التوليد.
وأشارت إلى تدهور كفاءة التوليد، حتى عند توافر بعض المياه، تعاني التوربينات والمعدات القديمة من تدني الكفاءة بسبب العمر الطويل، وعدم إجراء التحديثات اللازمة، ونقص الصيانة السليمة، ما يقلل من الطاقة المنتجة مقارنة بالقدرة التصميمية الأصلية.
وتتعرض المياه للاستنزاف نتيجة الضغوط على المياه لأغراض أخرى، ذلك أنه مع شحّ المياه، تصبح الأولوية القصوى لتوفير مياه الشرب للسكان والري الضروري للزراعة (الأمن الغذائي) على حساب استخدامها لتوليد الكهرباء.
الآثار كبيرة
وحول الآثار الناجمة عن تراجع استخدام الطاقة الكهرومائية تؤكد الدكتورة القبلان، فقدان مصدر رئيسي للطاقة المتجددة، إذ توقفت السدود عن كونها رافداً مهماً للشبكة الكهربائية الوطنية، ما زاد الاعتماد على الوقود الأحفوري (المازوت والغاز) المكلف والملوث.
كذلك تفاقم أزمة الكهرباء، حيث ساهم هذا التوقف بشكل كبير في أزمة انقطاع التيار الكهربائي المزمنة التي تعاني منها سوريا لساعات طويلة يومياً، ناهيك عن خسائر اقتصادية واجتماعية تتعلق بانقطاع الكهرباء، ما يعطل الحياة اليومية، والصناعة، والخدمات الأساسية كالمستشفيات والمدارس.
وتختم الخبيرة التنموية: لم يكن توقف أو تراجع الطاقة الكهرومائية في سوريا خياراً طوعياً، بل كان نتيجة حتمية لتشابك عوامل بيئية طبيعية (جفاف) مع عوامل بشرية وسياسية (سدود تركيا، الحرب، الإهمال).
إن إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي يتطلب معالجات جذرية تشمل حلولاً سياسيةً للمشكلات المائية مع دول الجوار، وحصول تمويل ضخم لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة ومعالجة مشكلة الطمي، في بيئة أصبح فيها تغير المناخ واقعاً ثابتاً يهدد الموارد المائية بشكل عام، على حد قول الدكتورة القبلان.