الثورة – مريم إبراهيم:
تدهور بيئي تتسارع وتيرته تباعاً خلال السنوات الماضية، بات يعكس كماً كبيراً من الآثار السلبية والخطيرة على مختلف جوانب الحياة والبيئة، والنفايات مصدر تلوث بيئي كبير، إذ يَكمُن الخطر الناتج عنها من التخلّص غير السّليم لها، حيث تأثيرها سلباً على البيئة والإنسان، سواء لجهة تلوث الهواء والتّربة والماء، وغيرها الكثير جداً.
تفاقم الحال
وفي سوريا بات وضع النفايات وانتشارها وتفاقم حالها ينذر بكوارث بيئية في ظل عدم التخلص منها بطرق مناسبة تخفف من آثارها السلبية ما أمكن، مع غياب واضح للرؤى والخطط التي تبحث في كيفية الاستفادة منها عبر عمليات الفرز وإعادة التدوير، وبالتالي الاستثمار فيها، إذ إن هذا النوع من الاستثمار يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات معظم الدول، ولا يقل أهمية عن أي استثمارات أخرى في مجالات الاقتصاد والتنمية.
صديق للبيئة
حول أهمية الفرص الاقتصادية والاستثمارية في هذا المجال بين خبير إدارة النفايات الصلبة المهندس أمير البخاري في حديثه لصحيفة الثورة، أن كوكب الأرض يعاني من تدهور بيئي خطير، ظهرت آثاره في ارتفاعات متوالية في درجات الحرارة وقلة الأمطار وما نتج عن ذلك من انتشار الجفاف والمجاعات وندرة واضحة في الموارد الطبيعية، بالإضافة الى تفشي التلوث الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري والانبعاثات الكربونية الناتجة عن أطنان النفايات الصلبة التي انتشرت في أنحاء العالم بلا استثناء, خاصة مع انتشار التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والنووية ومخلفاتها،
بل أصبح تصدير المخلفات الضارة من الدول المتقدمة للدول النامية والفقيرة هدفاً للتخلص منها بعيداً عنها، وبالتالي أصبحت إمكانية الانهيار كبيرة ما لم يحدث تغيير حقيقي وسريع في أنماط الإنتاج والاستهلاك على مستوى العالم، وعليه بدأت أغلب الدول في البحث عن بديل للنظام التقليدي لنموذج الاقتصاد الخطي السائد في جميع اقتصاديات العالم الذي يقوم على تنامي الإنتاج والاستهلاك بصورة مستمرة وما يخلفه ذلك النمط من كميات كبيرة من النفايات الى نموذج صديق للبيئة يعتمد بشكل أساسي على ابتكار تقنيات جديدة وطرق إنتاج حديثة تعتمد على الرشادة في الاستهلاك والإنتاج معاً وهو ما يعرف بالاقتصاد الدائري الذي يعتمد على الاستخدام المستمر طويل الأمد.
ويشرح المهندس البخاري الاقتصاد الدائري، أنه استراتيجية تنمية مستدامة يتم اقتراحها لمعالجة المشكلات الملحة المتمثلة في التدهور البيني وندرة الموارد , ويهدف إلى ترشيد استهلاك المواد والموارد وإعادة تدويرها، واستخدامها بكفاءة وبطرق صديقة للبيئة للتقليل من الانبعاثات الكربونية وتنبع أهميته في المحافظة على رأس المال الطبيعي وتعزيزه، والحصول على أفضل عائد من الاستخدام وتقليل الوفورات الاقتصادية السالبة وإنشاء نظام بيني دائري وتعزيز تبادل المعرفة والابتكار.
فرص عمل
وبما يخص جدوى الاستثمار في النفايات وأثرها على الاستثمار في الاقتصاد بشكل عام يوضح المهندس البخاري أن ذلك يتمثل بإعادة بناء النظام البيئي من خلال خفض استخدام الموارد الطبيعية، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، واستخدام المياه والأراضي والمحيطات على نحو مستدام، ودعم صحة الإنسان والمجتمع الصحي واستخدام الموارد لتوليد القيمة بتوفير المال وتوفير المواد الخام ذات القيمة، إضافة إلى تنفيذ خطة التنمية المستدامة، وذلك عبر حفظ المصادر الطبيعية بتنويع الاقتصاد مع زيادة فرص العمل بتشجيع التصنيع، وتوفير فرص عمل تحسين أنماط الحياة عبر منتجات عالية الجودة بقيم أعلى إضافية للموارد الاقتصادية.
كيف نستثمر..؟
وحول وجود مقترحات لزيادة الفرص الاستثمارية وما هو المناخ المناسب لجذب الاستثمارات، يؤكد المهندس البخاري أهمية إنشاء الأسس القانونية والسياسات الصحيحة من قبل الحكومات الوطنية لتشجيع الأموال على التدفق إلى حلول الاقتصاد الدائري، وتبني ممارسات هذا الاقتصاد وتعزيز الاستخدام الفعال للموارد من أجل الإنتاج والاستهلاك المستدامين، ووضع خرائط طريق وطنية لتمكين الانتقال إلى نموذج دائري وخارطة طريق الاقتصاد الدائري، ووضع نهج مشترك لمعايير تصميم المنتجات من تدوير النفايات والتمويل الميسر لفرص الأعمال في الاقتصاد الدائري، وتحسين ومواءمة طرق تقييم الأثر لاستثمارات هذا الاقتصاد، وبناء القدرات الداخلية لبنوك التنمية وشركاء المشروع لاستخدام هذا الاقتصاد كاستراتيجية لتحقيق النجاح الاقتصادي والمرونة وتطوير آليات للتخلص من مخاطر الاستثمارات فيه، وتسهيل الوصول بشكل أفضل إلى التمويل المختلط من خلال التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص.
تحديات
وبما يتعلق بالتحديات الرئيسية في هكذا استثمار يشير المهندس بخاري إلى نقص البنية التحتية الأساسية، وغياب أو ضعف مرافق الفرز والمعالجة وإعادة التدوير، ومحدودية وجود مراكز تجميع النفايات القابلة لإعادة الاستخدام أو التدوير، وعدم توفر مدافن هندسية مطابقة للمواصفات تدعم الفصل والمعالجة، وضعف الإطار التشريعي والتنظيمي، وغياب قوانين ملزمة بفرز النفايات من المصدر، وعدم وجود سياسات تحفيزية مثل الإعفاءات الضريبية أو الحوافز المالية للقطاع الخاص، وازدواجية في الأدوار بين الجهات التنظيمية بلديات، وزارات، هيئات بيئية.
وهناك عوائق اقتصادية واستثمارية مثل ارتفاع التكاليف الابتدائية لإنشاء مصانع إعادة التدوير، وعدم وضوح العائد على الاستثمار بسبب تقلب أسعار المواد المعاد تدويرها، ونقص التمويل أو عدم وجود نماذج تمويل مبتكرة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومحدودية المشاركة المجتمعية، وانخفاض وعي الأفراد بأهمية الفرز من المصدر أو تقليل النفايات، وثقافة استهلاكية تؤدي إلى زيادة النفايات وقلة إعادة الاستخدام، وضعف برامج التوعية والتعليم البيئي المستدام، وضعف سلاسل القيمة وسوق المواد المعاد تدويرها، وقلة الطلب على المنتجات المعاد تدويرها بسبب ضعف الجودة أو ضعف المنافسة.
إضافة إلى غياب الربط بين منتجي النفايات والمصنعين المستهلكين للمواد المعاد تدويرها، واحتكار بعض مراحل جمع أو نقل النفايات، والافتقار إلى البيانات والتحول الرقمي، وعدم وجود نظام وطني لتتبع النفايات والمواد القابلة للتدوير، مع غياب مؤشرات الأداء الدقيقة لقياس كفاءة الاقتصاد الدائري، وضعف تبني تقنيات ذكية مثل الذكاء الاصطناعي أو إنترنت الأشياء لتحسين إدارة النفايات، وتبرز أيضاً التحديات التنظيمية والإدارية، وتعقيد إجراءات الترخيص للمستثمرين الجدد في القطاع وتأخير في إصدار الموافقات البيئية والتنظيمية ونقص الكفاءات الإدارية والفنية لدى الجهات المشرفة.