الثورة – رولا عيسى:
تعيش مئات الأسر السورية اليوم حالة من التراجع الاقتصادي والاجتماعي، إذ أدت الظروف المعيشية المتدهورة، كذلك التوترات الأمنية المستمرة إلى انعدام دخلها، ناهيك عن أن كثير من الأسر فقد معيلوها رواتبهم بشكل كامل، ما أدى إلى انحدارها من الطبقة المتوسطة إلى الفقيرة أو من هم دون خط الفقر.
وازدادت الأمور صعوبة في ظل غياب برامج الدعم الحقيقية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي لطالما شكلت ركيزة اقتصادية في المجتمعات النامية والناشئة.
وفي هذه الظروف، تبرز أسئلة ملحة حول كيفية تدبر هذه الأسر شؤونها خاصة مع قصص كثيرة نسمعها عن عدم القدرة على تأمين أبسط الاحتياجات اليومية في ظل انقطاع الدخل الشهري؟.. وما الحلول الممكنة التي قد تساعد في تخفيف هذا العبء، وما التحديات التي تعترض طريق النهوض مجدداً.
ما تعيشه سوريا من أزمات متتالية، نجد أن هذه الأزمات لم تعد محصورة ببعد معين، بل تفاقمت لتصبح أزمة معيشية يومية يعاني منها المواطن السوري في جميع أنحاء البلاد.
تقول الباحثة والخبيرة التنموية ميرنا السفكون: لم تعد الطبقة الوسطى قادرة على الاستمرار، إذ فقدت الكثير من الأسر وظائفها أو مصادر دخلها التقليدية، سواء كانت وظائف حكومية، أم أعمالاً تجارية صغيرة، أم حرفاً يدوية، وتفاقم الوضع مع تذبذب سعر الصرف، وارتفاع الأسعار، وتكاليف النقل، والتعليم، والصحة، ما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة.
من جهة أخرى- والكلام لسفكون، دفعت الظروف الحالية غير المستقرة إلى تقلّص فرص العمل وزيادة البطالة، كما أن هذه الحلقة المفرغة من الانكماش الاقتصادي أفقدت السوق توازنه، وأثّرت بشكل مباشر على قدرة العائلات على تلبية احتياجاتها الأساسية.
الفقر المتزايد وغياب الحماية الاجتماعية
تشير الباحثة السفكون إلى أنه في ظل هذا الواقع، باتت الأسر تلجأ إلى استراتيجيات بقاء قاسية، منها تقليل عدد الوجبات اليومية، أو إخراج الأطفال من المدارس للالتحاق بأعمال هامشية، أو حتى بيع ممتلكاتها البسيطة لتغطية النفقات، يضاف إلى ذلك غياب نظام حماية اجتماعية فعّال قادر على دعم هذه الأسر في أوقات الأزمات، وندرة المبادرات الحكومية أو غير الحكومية الكفيلة بإنعاش المشاريع الصغيرة أو خلق فرص عمل بديلة.
وتؤكد أنه في بلد يعاني من تآكل البنية التحتية، وتراجع الخدمات الأساسية، يصبح من الصعب التعويل على حلول فردية، وبينما تمكنت قلة قليلة من الأسر من إيجاد أعمال بسيطة أو مؤقتة، سواء في ورشات صغيرة أم في العمل المنزلي، فإن الغالبية العظمى لا تزال تكافح من أجل البقاء.
غياب دعم المشاريع الصغيرة
لطالما شكلت المشاريع الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصادات النامية، كونها تخلق فرص عمل مباشرة، وتحرك عجلة الإنتاج المحلي.
إلا أن هذه المشاريع في سوريا تعاني من نقص التمويل- بحسب الخبيرة السفكون، وصعوبة الوصول إلى المواد الأولية، وغياب التشريعات الداعمة، ومع تراجع دور الدولة في دعم هذه الفئة من المشاريع، أصبح أصحاب الأفكار الريادية في مأزق حقيقي، ما حدّ من قدرتهم على المساهمة في التخفيف من حدة الأزمة.
وتشير إلى أن بعض الجمعيات الأهلية أو المبادرات الفردية حاولت تقديم قروض صغيرة أو دورات تدريبية، لكنها لا تزال محدودة التأثير، ولا تغطي إلا نسبة ضئيلة جداً من الحاجة الفعلية في السوق، وفقاً للخبيرة التنموية.
وفي سؤالنا عن الحل وإيجاد رؤى عملية لتدبر الحال؟هنا ترد الخبيرة السفكون: رغم قسوة الظروف، ثمة خطوات عملية يمكن تبنيها للمساعدة في احتواء الأزمة وهي:
تعزيز المشاريع متناهية الصغر.. من خلال تقديم قروض صغيرة من دون فوائد أو بفوائد رمزية، وتشجيع الأسر على إنشاء أعمال منزلية مثل تصنيع الأطعمة، أو الحرف اليدوية، أو إعادة التدوير.
التعليم المهني والتقني.. توفير برامج تدريب مهني سريعة تساعد أفراد الأسر على اكتساب مهارات جديدة يحتاجها السوق المحلي مثل صيانة الأجهزة، أو تصفيف الشعر، أو البرمجة البسيطة.
الزراعة المنزلية.. دعم الزراعات الصغيرة في الحدائق أو على أسطح المنازل، لتأمين جزء من الغذاء ذاتياً، وخاصة في المناطق الريفية أو شبه الريفية.
تحسين بيئة الأعمال الصغيرة.. عبر تعديل القوانين الضريبية، وتبسيط التراخيص، وحماية الإنتاج المحلي من الإغراق، يمكن خلق بيئة مشجعة لريادة الأعمال.
دور المجتمع المدني والمغترب السوري.. يمكن للمغتربين السوريين المساهمة من خلال مبادرات استثمارية صغيرة أو دعم أسر محددة بمشاريع مستدامة، بدلاً من الاعتماد فقط على التحويلات المالية الشهرية.
التحديات أمام التعافي
وترى أنه رغم وجود بعض الحلول، إلا أن التحديات تبقى كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية، وغياب الاستقرار الأمني، وغياب الجهات المسؤولة عن التنمية الاقتصادية، كما أن انعدام الثقة بين المواطن والجهات الرسمية يعوق أي خطة شاملة تتطلب مشاركة مجتمعية واسعة.يُضاف إلى ذلك- والكلام للسفكون، حالة من عدم الاستقرار في عدد من المناطق المختلفة في البلاد، وتفاوت مستوى الدعم والخدمات بين منطقة وأخرى، مما يخلق حالة من عدم العدالة في توزيع الفرص والدعم، ويزيد من عمق الهوة الاقتصادية والاجتماعية.
ختاماً.. أمام كل هذه التحديات، لا يمكن ترك الأسر وحدها في مواجهة هذا الواقع القاسي، المطلوب هو تحرك مشترك من الجهات الرسمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والداعمين الدوليين، لوضع خطة إنقاذ حقيقية تُعيد تنشيط الاقتصاد المحلي، وتمنح العائلات الأمل مجدداً، فاستعادة الطبقة الوسطى ليست ترفاً، بل شرط أساسي لبناء الاستقرار وإعادة الإعمار.