ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
أطفال اليوم, رجال الغد وصناع المستقبل, هم النسغ الذي يجب أن ينمو قوياً بهياً معافى، بعيداً عن كل المؤثرات السلبية التي يمكن أن تترك ندوباً,آثاراً ما تعيق الحياة الطبيعية, وكم تعاطفنا ونحن شباب وكهول عندما كنا نقرأ الروايات والقصص التي تصور معاناة الأطفال مع الحرمان والفقر والبؤس الاجتماعي, من أوليفر تويست ودافيد كوبرفيلد, وحتى في رواية البؤساء.
هذا في الأدب العالمي, والعربي ليس يعيداً عنه, بل ربما كانت الذائقة العربية الأقرب والأكثر بهاء وقدرة على تجسيد معاني الطفولة, ألم يقل الشاعر العربي: حِطّان بن المُعَلَّى:
وقد عاش في صدر الإسلام:
أنزلني الدهـرُ على حُكْمِـه *** مـن شامخٍ عـالٍ إلى خـَفْضِ
وغالني الدهرُ بوَفْرِ الغِنى*** فليس لي مالٌ سوى عِرْضي
أبكانيَ الدهــرُ، ويا رُبَّمـا *** أضحكني الدهرُ بما يُرْضـي
وفيها يقول هذه الأبيات الرائعة في الطفولة والأطفال:
لولا بُنيّـاتٌ كزُغْـــبِ القَطــا*** رُدِدْنَ مـن بعـضٍ إلـى بـعــضِ
لكان لـي مُضْطَـرَبٌ واسعٌ** في الأرض ذاتِ الطول والعَرْضِ
وإنّـمـــا أولادُنـــا بيننـــا*** أكـــبادُنـا تمشـــي علـــى الأرضِ
لو هَبّــتِ الريحُ على بعضهـم*** لامتنـعتْ عيـني من الغَمْـضِ
ناهيك بما قاله ابن الرومي في رثاء ابنه, ولكن الأنقى والأجمل والأكثر عذوبة وانتشاراً على الألسن قصيدة بدوي الجبل:
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف _ على الشيب_ أن أنأى وأن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى ليختار منها المترفات و يلعبا
وعندي كنوز من حنان ورحمة نعيمي أن يغرى بهنّ وينهبا
يجور وبعض الجور حلو محبّب ولم أر قبل الطفل ظلماً محبّبا
ويغضب أحيانا ويرضى وحسبنا من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا
وإن ناله سقم تمنّيت أنّني فداء له كنت السقيم المعذّبا
ويوجز فيما يشتهي وكأنّه بإيجازه دلّا أعاد وأسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيداً إذا خطا وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صادياً سكبت له عيني وقلبي ليشربا
وأوثر أن يروى ويشبع ناعماً وأظمأ في النعمى عليه وأسغبا
عوالم الطفولة البهية والنقية يجب أن تبقى محمية مصانة بكل الحب والحنان, والبيت هو المكان الطبيعي اليوم لأطفالنا في ظل ما يجري في العالم, الشوارع ليست مكاناً, وما من بيت في سورية إلا وفيه مكتبة ووسائل تواصل وقدرة على التفاعل, من هنا علينا أن نكون مع أطفالنا, نعيش لحظات فرحهم, نبعدهم عن الانفعال القسري, نوسع في المجال للكثير مما كنا نضيق به سابقاً.
الرسم قد يكون تفريغاً للطاقة, الشغب البسيط المحبب, ربما علينا أن نبتكر مثلاً ألعاباً ذهنية كالعد والقراءة وإشغال التفكير, أن نعود إلى القراءة قليلاً, وإلى التلفاز لمتابعة برامجهم حين يتوافر الوقت.
أطفالنا اليوم أمانة بأعناقنا, وليس لنا مفر من فعل ذلك, المدرسة لم تكن في يوم من الأيام جهة وحيدة لتنشئة الأطفال, بل بالتعاون بين المدرسة والبيت, والمجتمع القادر على ابتكار وسائل كثيرة.
في زمن المحن الصعبة, علينا أن نحسن حماية زرع المستقبل, ونعمل على الإحاطة بكل ما يجب أن يكون فعلاً خلاقاً يدفع بهم إلى الغد وهم الأكثر حيوية, المهمة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة, بل يمكن القول: إننا في هذه الظروف سنكتشف أننا كنا بعيدين بعض الشيء عن التفاعل والتواصل ضمن البيت الواحد, ومن الضرورة بمكان أن نكون متنبهين إلى حمايتهم من نزلات البرد والمرض, وربما علينا أن نذكر بما قاله بدر شاكر السياب:
عصافير أم صبية تمرح
أم الماء من صخرة ينضح
علينا لها أنها الباقية
وأن الدواليب في كل عيد
سترقى بها الريح جذلى تدور
ونرقى بها من ظلام العصور
إلى عالم كل ما فيه نور