“شفق”.. يعرض قضايا اللون بريشةٍ أنثوية طاغية  

الثورة – عبير علي: 

في فضاء يعج بالألوان، وتتشابك فيه الأحاسيس مع الضوء والظل، استضافت صالة المركز الثقافي في أبو رمانة، برعاية وزارة الثقافة ومديرية ثقافة دمشق اليوم، المعرض الفني التشكيلي الجماعي بعنوان “شفق”، شاركت في المعرض اثنتان وعشرون فنانة تشكيلية قدّمن من خلاله خمسة وأربعين لوحة فنية تعكس رؤاهن المتنوعة تجاه الحياة، الإنسان، والطبيعة. تراوحت الأساليب بين الواقعية الدقيقة والتعبيرية العميقة، في إبداع فني يعكس أبعادًا إنسانية وجمالية غنية.

الفضاء الفني للمرأة المبدعة

افتتح المعرض الدكتور محمد صبحي السيد يحيى، رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا، و محمد إرحابي، مدير ثقافة ريف دمشق، بحضور عدد من الشخصيات الفنية والثقافية، مثل الفنان أسامة دياب، مسؤول التدريب والتأهيل في اتحاد الفنانين. كما حضر المعرض  عمار بقلة، مدير المركز الثقافي، والفنانة التشكيلية رغدة سعيدة، المشرفة على المعرض.

وفي حديث خاص لصحيفة “الثورة”، أكدت سعيدة أن الهدف من المعرض كان “إتاحة الفرصة للمرأة المبدعة لتعبّر عن رؤيتها الخاصة في عالم الفن، ولإظهار التنوع الأسلوبي والتقني في اللوحات المشاركة.”

رمز للتحوّل بين الغروب والنور

الفنانات المشاركات في “شفق” اختَرنَ أن يسلكن أسلوباً واقعياً تعبيرياً، حيث امتزجت الواقعية الدقيقة في تصوير الوجوه والمناظر الطبيعية مع التعبير عن المشاعر والانفعالات. تنوعت الموضوعات بين المرأة، الوطن، الطبيعة، الضوء، الحلم، والذاكرة. وركزت المشرفة الفنية على أن “الشفق” لم يكن عنواناً عابراً، بل كان رمزاً للتحوّل، لحظة الانتقال بين الظلام والنور، بين النهاية والبداية.

وقالت سعيدة: “هذا المعرض هو لوحة جماعية من المشاعر والقصص، جسدتها 22 فنانة بأساليب متعددة ولكن بانسجام فني واضح. هدفنا كان أن نمنح الجمهور تجربة بصرية تلامس الروح قبل العين.”

الفن وسيلة للتجديد الثقافي

الدكتور محمد صبحي السيد يحيى، رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين، صرح قائلًا: “يعد معرض “شفق” منصة فنية مميزة تعكس إبداع الشباب السوري المتنوع، ما يقدمه هؤلاء الفنانون من أعمال فنية جديدة يعكس وعي هذا الجيل واهتمامه بالتجريب والابتكار، المعرض يساهم في إثراء المشهد الثقافي السوري، ويوفر آفاقا جديدة للحوار الإبداعي بين الفنانين والجمهور”.

من جهته، رأى  عمار بقلة، مدير المركز الثقافي في أبو رمانة، أن المعارض الجماعية تعكس تنوعا إبداعيا وفنيا، حيث تجمع تجارب الفنانين المختلفين، مما يزيد من غنى المعرض بالأفكار والأساليب والمواضيع المتنوعة. وقال: “مثل هذه المعارض تتيح للفنانين فرصة الاطلاع على تجارب الآخرين والتفاعل معها، مما يعزز التجربة الفنية للمشاركين والجمهور على حد سواء.”

لمسات فنية تعبر عن الحياة

من بين المشاركات، تميزت الفنانة لميس زنبوعة بتقديم سبع لوحات فنية في المعرض، وقالت زنبوعة عن مشاركتها: “شفق ليس مجرد معرض فني، بل هو احتفاء بالأنوثة المبدعة وبالطاقة الجمالية التي تنبع من روح الفنانة السورية، التي رغم كل الظروف تزرع الأمل والجمال بريشتها، لتضيء سماء الفن بألوان الشفق الدافئة.”

وأوضحت لميس أن لوحاتها تعكس مفهوم الشفق كدليل على آية من آيات الكون الكبرى، وهي تعاقب الليل والنهار، مستشهدة بآيات من القرآن الكريم:

“يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ” و “يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ.”

وأضافت: “في كل لوحتين، آية تدل على تعاقب الليل والنهار، وكتبتها بحيث تكون جزءا من مكان يضيء بألوان الشفق الصباحي مرة، والمسائي مرة أخرى، مكتوبة بالخط الكوفي بطريقة جديدة.” خرجت فيها بالخط الكوفي عن المألوف خلف أسوار اللوحة التقليدية إلى عالم أوسع، حيث يجد المكان والزمن واللون المنسجمين مع المعنى.

شاركت هيا عمران في معرض “شفق” بأربع لوحات زيتية، تتنوع مواضيعها. الأولى بعنوان “عربي” تعبر عن الأطفال العرب وما يتحملونه من ظروف وضغوطات لا ذنب لهم فيها.

اللوحة الثانية بعنوان “حبيس ذاكرة” تجسد تأثير الذكريات الإيجابية والسلبية على حياة الإنسان، وكيفية تحويل هذه الذكريات إلى تجربة تترك بصمة في حياتنا.

اللوحة الثالثة بعنوان “أنستازيا” تمثل مثالًا لكل امرأة في هذا العالم، قادرة على النهوض والتجدد رغم الألم والظروف الصعبة.

أما اللوحة الأخيرة بعنوان “هدوء”، فتعكس الطبيعة بأسلوب جريء باستخدام تقنية ضربات الفرشاة بألوان الزيت.

واعتبرت عمران أن المشاركة في معرض “شفق” كانت فرصة رائعة للفنان للتعبير عن ذاته وأفكاره، ولإيصال رسائل ومفاهيم للمجتمع من خلال الفن، بهدف ترك أثر إيجابي ودافع قوي في نفوس المشاهدين.

قالت الفنانة نوار النداف: “شاركتُ في معرض ‘شفق’، الذي حظي باهتمام واسع من الوسط الفني، وشرفنا بحضور شخصيات مهمة، من بينها رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.”

في هذا المعرض، قدمتُ ثلاث لوحات متميزة

“شفق” لوحة واقعية درامية تعبر عن مسارات الحياة، حيث يظهر التباين القوي في ألوان السماء الهدوء الذي يأتي بعد الفوضى، الشجرة العارية تمثل التحديات والذكريات المؤلمة، بينما تمثل الشجرة المورقة الأمل والتفاؤل، أما الفوانيس في اللوحة، فهي رمز لمحطات الحياة المتتابعة، حيث كل فانوس يشير إلى محطة جديدة.

“نبض” تجسد براءة الجنين في رحم أمه قبل أن يتعرض لأي ظلم في الحياة. سُميت اللوحة “نبض” تعبيراً عن بداية الحياة ونقائها، حيث يمثل النبض لحظة الانطلاقة الأولى نحو الوجود.

أما اللوحة الثالثة، فكانت بورتريه واقعي يعكس جمال الملامح الأنثوية من خلال رسم الممثلة عبير شمس الدين، حيث سعيتُ إلى إبراز تفاصيل تعبيراتها وجمال وجهها بلمسة فنية واقعية.

تجربة فنية متكاملة

تميز المعرض بجمال العرض والتنظيم، حيث توزعت اللوحات وفق تدرج لوني وفكري متناسق، مما جعل الزائر يعيش تجربة فنية متكاملة،  وقد لاقت الأعمال استحسان النقاد والجمهور، الذين وجدوا فيها تنوعاً بين الواقعية المتمثلة في التفاصيل الدقيقة والتعبيرية التي تعكس الحركة والمشاعر العميقة.

إن معرض “شفق” لم يكن مجرد حدث فني، بل  نقطة انطلاق جديدة في مشهد الفن التشكيلي السوري، حيث يعكس حرص الفنانات على الإبداع والتجديد في ظل التحديات، ويبشر بمستقبل فني واعد يفتح أبواب الحوار الفني بين الأجيال والتوجهات المختلفة.