الثورة – سعاد زاهر:
وُلد شغف الفنانة التشكيلية ” ختام الجاني” بالفن بين عبق الياسمين ورائحة زهر الليمون، ليتحوّل إلى مسيرة إبداعية حملت تفاصيل الجمال والألم معاً. في جسر الشغور، المدينة الساحرة الواقعة على ضفاف العاصي، نشأت الفنانة على وقع أصوات الطبيعة وجمال القناطر والحجارة القديمة، لتنسج من تلك البيئة لوحة حياتها الأولى.
في هذا الحوار، نتوقف معها عند البدايات، التجارب، التأثرات الفنية، التحديات التي فرضتها الثورة السورية، ورؤيتها للفن كأداة تعبير عن الأمل والحياة.

– كيف بدأت رحلتك مع الرسم والفن؟
بدأت رحلتي مع الألوان والفراشي منذ الطفولة، نشأت في بيئة ملهمة بمدينة جسر الشغور، في حي القلعة العريق حيث البيوت العربية القديمة وعبق الطبيعة، كنت أستيقظ على رائحة زهر الليمون وأنام على نسيم الياسمين.
عائلتي كانت السند والداعم الأكبر، فهي عائلة متدينة، لكنها أيضاً منفتحة وتهتم بالفن والعلم والثقافة، هذه البيئة، بعد توفيق الله، كانت السبب في تفتح موهبتي، فكنت أقضي معظم وقتي في الرسم حتى صقلتها لاحقاً بالدراسة الأكاديمية.
– بمن تأثرت من الفنانين والمدارس الفنية؟
أثناء دراستي طورت أدواتي وأسلوبي، وتأثرت كثيراً بفناني عصر النهضة ورواد المدرسة الواقعية مثل “دافنشي، مايكل أنجلو، ورافائيل”، كما ترك رامبرانت والمدرسة الانطباعية أثراً واضحاً في بعض أعمالي.
ما هي أول لوحة شعرت أنها تعبّر عنك بصدق؟
أول لوحة قريبة مني كانت “ربيع”، والتي حملت اسم معرضي الفردي الثاني “ربيع” في معهد يونس إيمرا بمدينة أعزاز، برعاية فريق صبح الثقافي.
– كيف انعكست الثورة السورية على فنك؟
بصراحة، كانت تجربة مؤلمة مليئة بالتحديات، في بداية القصف على إدلب أصابتني صدمة وذهول، ولم أستطع أن أرسم أي لوحة لمدة ثلاث سنوات، لكن الأحداث كانت تترسخ داخلي كذاكرة حيّة، ومع الوقت عدت لحمل الريشة، وبدأت بصياغة المشهد بلوحات رمزية تحاكي الواقع لكنها لا تخلو من الأمل والجمال.

– كيف ترين مهمة الفن وسط المآسي؟
أؤمن أن مهمة الفن الأساسية هي تجسيد الجمال أينما كان، لكن في ظل الثورة، وجدت نفسي بلا وعي أرسم الواقع، إنما بأسلوب رمزي بعيد عن مشاهد الدمار والدم مباشرة، لأن شاشات التلفاز وثّقت ذلك بكثرة، أردت أن يلمس المتلقي من لوحاتي أن ربيعاً قادمًا، وأن هناك ضوءاً وسط الظلام.
– ما الأسلوب الفني الذي يميزك؟ وبماذا تتميز اختياراتك اللونية؟
ما زلت متأثراً بالأسلوب الواقعي والكلاسيكي، وأسيرة له حتى اليوم، أما بالنسبة للألوان فأنا أرسم بالزيت والأكريليك، وأحب اللون الناري ودرجاته وصولاً إلى البرتقالي، مروراً بالأصفر والأبيض، ربما هذا انعكاس لواقعنا.. الدم والنار والضوء.
– كيف كان تفاعل الجمهور مع أعمالك؟
كان التفاعل إيجابياً جداً، رغم الظروف الصعبة التي عاشها الناس، لوحاتي حملت لهم شيئاً من الأمل.
– ما أبرز أعمالك ومعارضك؟
من أكثر اللوحات تأثيراً لدي كانت الجدارية “بانوراما سورية”، التي جسدت أحداث الثورة على مدى أعوام، وهي معلقة اليوم في القاعة الرئيسية بمعبر باب الهوى، أما عن المعارض، فمن أهمها كان معرضاً فردياً بعنوان “تحية إلى العاصي” في جسر الشغور بعد التحرير، وضم أكثر من أربعين عملًا زيتياً متنوعاً، ما يميز المعرض أنه أقيم وسط حملة قصف عنيفة، ورغم ذلك أصررت على إنجازه.
– ما طموحاتك الفنية القادمة؟
طموحي أن أطور أدواتي ومواضيع أعمالي، وأن أنطلق بها إلى فضاءات أوسع، حلمي أن تصل لوحاتي إلى الخارج من خلال معرض عالمي يروي عن الجمال والحب والأمل والربيع المنشود.
– ما رسالتك لمن يحمل شغفًا بالفن؟
رسالتي لكل من يحمل في داخله حباً للفن أن يجاهد ويكافح لتطوير ذاته، فالفن أرقى أدوات التعبير ولغة عالمية تصل للجميع، وهو أيضاً وسيلة للتعبير عن الذات ومصدر سعادة للفنان أولاً.
