الثورة – همسة زغيب:
“الحبّ يكتب ذاته في قلب القصيدة، ينبض، يتصاعد، ويتجلّى بالإلهام :” بهذه الكلمات المنبثقة من قلب الشاعرة رود زياد مرزوق، يختصر فلسفتها الشعرية العميقة، وما قدّمته إلى العالم الأدبي من الأعمال الشعرية،

مزجت بين أنوثتها الحالمة وثقافتها الدمشقية العريقة، وجعلت من الحبّ فلسفة حيّة تتنفس في قلب كُل كلمة تكتبها.
هكذا أغنت الشاعرة ذاكرتها من قلب دمشق، المدينة العابقة بالياسمين، وأخرجت قصائدها النابضة بالعاطفة الإنسانية في كلمات مختارة بعناية، وتمكنت الشاعرة من تقديم نموذجاً شعرياً مميزاً، يعكس حبّاً متجدداً للحياة والمشاعر الإنسانية العميقة، معبّراً عن تجربة وجدانية لا تخلو من الدهشة والحنين.
من الدراسة إلى الإلهام
رغم أن الشاعرة درست الأدب الإنكليزي وحصلت على دبلوم تأهيل تربوي ودبلوم ترجمة فورية، إلا أن اللغة العربية كانت دوماً ملاذها الأول، فمنذ نعومة أظفارها، كانت تكتب النصوص المدرسية، وتلفت الأنظار وتثير الاهتمام، لأن الكتابة لم تكن بالنسبة لها مجرد تمرين لغوي، بل كانت انسياباً وجدانياً ينبع من بيئة ثقافية محافظة في حيّ دمشقي عريق.
ولم يكن الحي مجرد مكان، بل كان مصدر إلهام وإبداع. لأنه ذاته حي الشاعر نزار قباني، وله تأثير كبير على حياتها الأدبية.
الحب فلسفة الحياة
في حديثها لصحيفة “الثورة”، أكدت الشاعرة أنّ الحبّ هو الأساس، وأنها انطلقت منه في كلّ ما كتبته من شعر، والحبّ في قصائدها لا يتوقف عند كونه مجرد عاطفة بين رجل وامرأة، بل مصدر متجدد للحياة، وقوة دافعة للوجود.

وبحسب ما أوضحت الشاعرة، “أنه إذا كتب الشاعر بإحساس صادق، فإن كلماته تلامس قلوب القراء، ليحمل الحبّ في كلّ كلمة إحساساً حقيقياً نابضاً بالحياة”.
وقد جسّدت الشاعرة في ديوانها الأول “أنت مني” حبها العميق لعائلتها، بتعبيرات صادقة من القلب، لتصبح العلاقات الإنسانية محورية في رؤيتها عن الحب، ولم تقتصر على الجانب الشخصي فقط، بل تناولت أيضاً الجوانب الإنسانية للحب، كما في قصيدتها “مشاعل النور”، كرّمت فيها المعلمين والمعلمات، وأشادت بمكانتهم في المجتمع.
أنوثة شرقية حالمة
باعتبارها أنثى دمشقية تنتمي إلى أسرة محافظة، تعبر الشاعرة عن الحب بأسلوب شعري شرقي يكتنفه الخجل والرقة، ويعبّر عن مشاعر الأنثى الحالمة، وتتخيل الحبّ بأبعاده المثالية، تقول: “أحب التجدد في طرح الفكرة، والبساطة في التعبير عنها، عبر ألفاظ متناغمة تتراقص كما أمواج البحر”، قصيدتها “لقاء تحت المطر” تجسد هذا الأسلوب الشعري الذي يشتهر به شعراء الشرق، حيث تتناغم الكلمات لتصنع صورة شاعرية مفعمة بالأحاسيس.
الحبّ بين النور والظل
تأتي تجربة الحب بين النور والظل من بين الصور العاطفية المتعددة، البارزة في شعرها، وتؤمن مرزوق بأن الحبّ لا يكون دائماً في صورته المثالية، بل يحتوي على جوانب مظلمة وأخرى مشرقة، ويعكس صراعات مع الذات ومع الحبيب، ما يجعل الحبّ أكثر عمقاً وقوة.
وتقول: “الحبّ ليس مجرد سعادة، بل صراع مستمر من أجل الوصول إلى الأفق الأنقى والأجمل.
” تأثير البيئة والثقافة الدمشقية تعتبر الشاعرة أن البيئة الدمشقية والتراث الثقافي أسهما بشكل كبير في تشكيل رؤيتها للحبّ والشعر، وتذكر في حديثها، أنّ بيئتها شكّلت لديها فهماً عميقاً للحبّ، ومفهوماً خاصاً عن الخجل الشرقي، والتردد وما يعيشه الكثير من الفتيات في المجتمعات المحافظة، تؤكّد الشاعرة أن دمشق بماضيها وحاضرها، بعراقتها وبساطتها، كانت بمثابة الذاكرة وإلهامها في كتابة شعرها.
القباني معلمها الأكبر
منذ طفولتها، كانت الشاعرة تستمع إلى قصائد الشاعر نزار قباني، وكيف كان يملأ الأجواء في دمشق بشعره العاطفي الثائر، تروي الشاعرة قائلة: “أنا من نفس الحي الدمشقي الذي خرج منه نزار قباني، وأحمل نفس التصوّر المقدّس عن الأنثى، وأراها انبثاقاً لكلّ جمال في الحياة.
” تأثيرها الكبير في نزار قباني لم يكن فقط على مستوى الأسلوب، بل كان له تأثير واضح على كيفية تعبيرها عن الأنثى، ويعتبر جوهر الحبّ في قصائدها.
الشعر المعاصر نبض الزمان
تشير الشاعرة إلى أنّ الشعر سيظل دائماً ديوان العرب، مهما مرّت عليه العصور، كما تؤمن بأن الشعر المعاصر لا يختلف كثيراً عن الشعر القديم في جاذبيته، إلا أن الأسلوب تغيّر ليعكس واقع الحياة المعاصرة، وترى أن الشعراء المعاصرين يكتبون من خلال الحداثة وما تفرضها الظروف والتطورات الاجتماعية، ورغم ذلك، يبقى الشعر يحمل رسالته في قلب كلّ قصيدة تكتب، فالشعر بالنسبة لها ليس مجرد ترف لغوي، بل حياة تُكتب من جديد.
أشكال شعرية متنوعة
لقد أصدرت الشاعرة ديوانين شعريين، الأول بعنوان :”أنت مني”، والثاني :”رود الياسمين”، وكلاهما يعبران عن تجارب مختلفة، وتظهر فيهما مجموعة من الأشكال الشعرية المتنوعة بين الشعر العمودي، والتفعيلة، والنثر، كما تؤمن الشاعرة بأن لكلّ نمط شعري جماله الخاص وقدرته على التعبير عن شعور معين أو موقف عاطفي، وأن اختيار النمط يعتمد على الفكرة أو الموقف الشعوري للتعبير عن كل لحظة تعيشها.
الشعر الصادق لا يموت
وختمت حديثها قائلة:” إن الشعر سيبقى الأجمل والأبقى بالنسبة لي، فالشعر ينبع من صميم المشاعر الحقيقية للشاعر، لأنّه رسالة إنسانية عميقة، تترك أثرها في النفس البشرية حتى وإن رحل صاحبها، وتبقى الكلمة حيّة لا تموت”.
مما يعكس فلسفتها الشعرية، والصدق العاطفي في كلّ ما تكتبه. وقصائدها تمثّل أنقى صورة للحبّ، في كلّ سطر تكتبه، تحوّله إلى معانٍ لا تنتهي، وتعيد إحياء الأمل، وتجعل من الكلمات أداة للتعبير الصادق عن الحياة والمعاناة، بالاعتماد على إرثها الثقافي وطابعها الشرقي الأصيل، لا يقتصر على الجمال اللغوي، بل يمتد ليصبح شهادة حيّة على الزمن والعواطف الإنسانية المتجددة.