الثورة – علا محمد:
كل صباح، تتراءى حقائب صغيرة على أكتاف الأطفال في طريقهم إلى مدارسهم، لكن ما لا يُرى هو الثقل الحقيقي الذي يرافقهم، وزنٌ يتعدّى الكتب والكراسات، ليصل إلى العمود الفقري والنفس والمزاج.

فما الذي يفعله هذا الحمل اليومي بجسد الطفل وروحه؟ وللإجابة عن هذا السؤال، التقت “الثورة” الدكتور سعيد قمر الدين، اختصاصي العظمية، الذي أوضح أن أضرار الحقيبة المدرسية الثقيلة واسعة جداً، وإن بدت بسيطة في الظاهر.
فالأطفال، كما يقول، لديهم غضاريف نمو حساسة، وعندما يتعرضون لوزن زائد، تنضغط تلك الغضاريف وتأخذ شكل الحمل الواقع عليها، ما ينعكس على العمود الفقري بأكمله من الرقبة حتى الإليتين.
أوزان تفوق الغضاريف
وبيّن أن حمل الحقيبة بطريقة خاطئة أو على جهة واحدة يسبّب انحناءً في العمود الفقري أو التهابات في أربطة الفقرات نتيجة الجهد الزائد، ونبّه إلى أن الوزن المثالي للحقيبة يجب ألا يتجاوز 10% من وزن الطفل، أي إذا كان وزنه 50 كيلوغراماً، فلا ينبغي أن تتعدى الحقيبة 7.5 إلى 10 كيلوغرامات.
كما أشار الاختصاصي إلى أن الأخطاء الشائعة لدى الأهل تكمن في إهمال مراقبة أبنائهم عند حمل الحقيبة من جهة واحدة أو عند زيادتها بالوزن، ما يؤدي إلى مشاكل في الرقبة أو الكتف، داعياً إلى أن تكون لدى كل طفل خزانة في المدرسة يضع فيها كتبه، وأن تقتصر الحقيبة على ما يحتاجه في اليوم الدراسي، وشدد على أهمية المعالجة الفيزيائية والسباحة وتمارين تقوية عضلات الظهر للوقاية من هذه المشكلات.
الضغط النفسي.. عبءٌ آخر لا يُرى
أما من الجانب النفسي، فقد رأت الاختصاصية النفسية والتربوية مجد آلوسي أن ثقل الحقيبة لا يُقاس فقط بالوزن، بل أيضاً بما تحمله من شعور بالإنهاك والضغط اليومي على الطفل.

وأوضحت أن بدء اليوم الدراسي بحمل يفوق طاقة الجسد يجعل الطفل مرهقاً قبل أن يصل إلى الصف، فيضعف تركيزه ودافعيته للتعلّم، كما يرتبط الذهاب إلى المدرسة بالألم، ما يُفقد الطفل حماسه ويزرع داخله مقاومة خفية للتعليم.
وأضافت آلوسي أن كثيراً من المناهج الحالية لا تراعي قدرة الطلاب الجسدية، إذ تُصمم الكتب بشكل ثقيل وغير مقسّم، ولا يُراعى في الجداول توزيع المواد بشكل متوازن، فيضطر الطالب لحمل كل كتبه يومياً، كما أن غياب الخزائن داخل الصفوف يجعل الطفل مسؤولاً عن نقل كل شيء ذهاباً وإياباً، وهو ما يناقض توصيات الخبراء بعدم تجاوز وزن الحقيبة 10-15% من وزن الطفل.
وفيما يتعلق بالحلول، رأت الاختصاصية أن المنهج الرقمي قد يكون خياراً عملياً لتخفيف الأعباء، فهو يخفف الوزن المادي ويوفر محتوى تفاعلياً محفزاً، لكن نجاحه، برأيها، يحتاج إلى بنية تحتية قوية وعدالة في التوزيع ومرافقة تربوية تضمن أن التكنولوجيا تبقى وسيلة راحة لا عبئاً جديداً.
وحذّرت من أن الإرهاق الناتج عن الحقيبة الثقيلة ينعكس مباشرة على التحصيل الدراسي، إذ يؤدي إلى ضعف التركيز وتراجع الأداء الأكاديمي وغياب الحماس، مشيرة إلى أن الطفل يحتاج إلى بيئة تعليمية خفيفة جسداً وروحاً.
نحو بيئة مدرسية أرحم
ولفتت آلوسي إلى أن الحل لا يقتصر على الطفل أو الأهل، بل يبدأ من المدرسة ذاتها، من خلال تقسيم الكتب إلى أجزاء صغيرة، وتوفير خزائن لحفظها، وإعادة تصميم الجداول الدراسية، إلى جانب التدرّج نحو التعليم الرقمي وتوعية الأهل بأهمية متابعة وزن الحقيبة ومحتوياتها، وأضافت: خلاصة القول، التحصيل الدراسي لا ينمو في بيئة مرهقة، بل يحتاج إلى أرضية من الراحة والأمان الجسدي والنفسي، فحين تُثقل الحقيبة ظهر الطفل، تُثقل معها دافعيته وفرحه وحتى حلمه.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من احترام قدرة الطفل على الاحتمال، ومن تصميم يومه الدراسي بما يليق بطفولته، فليكن الإصلاح خفيفاً على الظهر، عميقاً في الأثر، وواسعاً كقلب طفلٍ ينتظر أن يُحمل بالحب لا بالثقل.