الثورة – وعد ديب:
تعيش الأسواق المحلية تحوّلات ملحوظة في السنوات الأخيرة، أبرزها انتشار ظاهرة بيع الملابس والأحذية بالوزن.
وهي طريقة يرى فيها البعض حلاً عملياً لتخفيف الأعباء المعيشية، بينما يعتبرها آخرون مؤشراً على ضعف الإنتاج المحلي وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

في عدد من الأسواق الشعبية بدمشق وريفها، تصطف العائلات أمام محال تعرض بضائعها بلا بطاقات سعرية، إذ يُباع الكيلو الواحد من الملابس المستعملة بأسعار تقل كثيراً عن سعر القطعة الجديدة.
وتشير جولات ميدانية لصحيفة الثورة إلى أنّ بعض المحلات أصبحت تقدم عروضاً بالكيلو، إذ يبلغ سعر كيلو الملابس ذات النوعية الجيدة بـ 200 ألف ليرة سورية، وسعر كيلو الأحذية ب 250 ألف ليرة.
آراء
تقول رجاء محمد، ربة منزل تقطن في حي التضامن: أشتري بالوزن منذ عامين تقريباً، أستطيع بهذا المبلغ البسيط أن أؤمّن ملابس لأولادي بأسعار لا تتجاوز ربع ما كنت أدفعه سابقاً.
أما أيهم عبدو، صاحب أحد هذه المحلات، يقول: الزبائن اليوم يبحثون عن السعر قبل كل شيء، والبيع بالوزن يحقق حركة مبيعات مستمرة ولو بهوامش ربح صغيرة.
حول انتشار هذه الظاهرة وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية، أوضحت الباحثة في القضايا التنموية والاقتصادية الدكتورة سلوى شعبان شعبان، لـ”الثورة”: إنّ ما يجري في الأسواق هو انعكاس طبيعي للظروف المعيشية الراهنة والتحديات التي مرّ بها البلد
مضيفة: مع الضغوط المعيشية التي يواجهها المواطن، كان لا بد من إيجاد بدائل تتماشى مع الدخل المحدود لشرائح واسعة من الأسر، ومن هذه البدائل بيع الملابس والأحذية بالوزن، سواء كانت جديدة أو مستعملة.

وبينت في الوقت نفسه، أنّ المجتمع السوري تكيّف مع مختلف الظروف الصعبة، وأنّ ربات البيوت خلال السنوات الماضية لجأن إلى تدوير الملابس واستبدالها بين الأسر كوسيلة لتأمين الاحتياجات وتجنّب العوز وبحسب شعبان، أن البيع بالوزن ليس جديداً على المجتمع، بل هو، حالة حتمية للتغلب على الصعوبات المعيشية، وفي ردها على سؤالنا حول الأثر الاقتصادي المباشر لهذه الظاهرة، ردت أن تخفيض الأسعار يؤدي عادة إلى بيع كميات كبيرة من المنتجات خلال وقت قصير، ما يحقق أرباحاً أكبر وينشّط حركة الأسواق والتصنيع.
ومن هذا المنطلق، فإن البيع بالوزن يشكّل فرصة لتصريف كميات ضخمة من البضائع بأسعار مقبولة للمستهلكين.
لكنها حذّرت من أنّ البضائع الأجنبية قد لا تكون جميعها نظيفة أو آمنة، متسائلة: “هل هذه الملابس خالية من التلوث أو المواد الضارة أو الأمراض، هل تخضع للغسيل والتعقيم قبل عرضها؟”.
ودعت إلى ضرورة العودة إلى المنتج المحلي المعروف بجودته، مشددة على أهمية استخدام التدابير الترويجية والتسويقية لتنشيط الاقتصاد المحلي وزرع الثقة بالمنتجات الوطنية.
تأثيرات
من جانبهم يرى بعض التجار أنّ هذه الظاهرة أثّرت على مبيعات المحال التقليدية حسام – س صاحب محل ألبسة محلية الصنع في دمشق: الإقبال على الألبسة الجديدة تراجع بشكل واضح، والناس تبحث عن الأرخص مهما كانت الجودة، وهذا انعكس سلباً على المنتج الوطني.

في المقابل، يشير آخرون إلى أنّها نشّطت الحركة التجارية في الأسواق، خاصة في فترات تبدّل المواسم، مؤكدين أن البيع بالوزن، أعاد الحيوية إلى الأسواق بعد ركود طويل
كما أن العروض بالكيلو ساهمت في زيادة الإقبال، حتى وصل بعضها إلى أن يباع كيلو الثياب بـ 25 ألف ليرة وسعر كيلو الأحذية 50 ألف ليرة، ما جعلها الخيار المفضل للكثير من الزبائن، بغض النظر عن جودتها.
وهنا تؤكد د. شعبان أنّ البيع بالوزن ظاهرة فرضتها المتغيرات المعيشية، لكنها يمكن أن تتحول إلى فرصة لتنشيط السوق إذا جرى تنظيمها ومراقبة مصادر البضائع، وبرأي الخبيرة التنموية، أن الحلّ يكمن في دعم الإنتاج المحلي والاعتماد على الخبرات الوطنية في التصنيع والتسويق.
وتختم حديثها قائلة: ما بين الحاجة والقدرة على التكيّف، يبقى البيع بالوزن نتاجاً طبيعياً لواقع اقتصادي متبدّل، يعكس في الوقت ذاته مرونة المجتمع السوري في إيجاد الحلول.
وتبرز الحاجة إلى تحقيق توازن بين تلبية احتياجات المواطنين والحفاظ على استمرارية الصناعة المحلية، بما يضمن استقرار السوق وتنمية الإنتاج الوطني.