الثورة -رفاه نيوف :
يتوق الجميع للتعرف على التكنولوجيا الحديثة، وخاصة تلك التي تخدمه وتوفر له بدائل مستدامة للطاقة الكهربائية، ومنها ألواح الطاقة الشمسية، التي لاقت رواجاً كبيراً خلال العقد الأخير، واليوم يتوقع أن يزداد الطلب عليها بعد رفع سعر الكيلو واط الساعي من الكهرباء.

ولكن هل فكر أيّ منا ما هو مصير نفايات هذه الطاقة؟ وهل يمكن تدويرها؟ وفي حال رميت في العراء ما هو تأثيرها على البيئة والصحة؟
فمعالجة المخلفات الإلكترونية من الألواح الشمسية، ليست مجرد ضرورة بل هي التزام، إذا أردنا ضمان استدامة قطاع الطاقة الشمسية.
عمرها الوسطي 25 عاماً
يؤكد رئيس قسم هندسة تقانات الطاقات المتجددة بكلية الهندسة التقنية بجامعة طرطوس، الدكتور جاسم يوسف لصحيفة الثورة، أن النفايات الناتجة عن استخدام الطاقة الشمسية تتعلق أساساً بمكونات النظام الكهروضوئي في نهاية عمرها أو أثناء التصنيع.
فعمر الألواح الشمسية والبطاريات في الأنظمة الكهروضوئية يعتمد على نوعها وجودتها وظروف تشغيلها.
ويتراوح العمر الافتراضي للألواح من 10 إلى 30 سنة والعمر الافتراضي الوسطي 25 سنة، بحيث تبقى الكفاءة أكبر أو تساوي 80 بالمئة، وهناك ألواح قد يصل عمرها الافتراضي إلى 35 سنة.
والعمر الافتراضي للمدخرات (البطاريات)، يعتمد على عدد دورات الشحن والتفريغ وتقنية التصنيع المستخدمة وفق أنواعها المختلفة، فالبطاريات السائلة والجافة (جيل) من 3 إلى 7 سنوات وبطاريات الليثيوم بأنواعها المختلفة من 10 إلى 20 سنة.
إعادة التدوير
رغم أن الطاقة الشمسية تعد من أنظف مصادر الطاقة، لكنها-حسب د. يوسف- ليست خالية من النفايات، والنفايات الناتجة تتعلق بمكونات النظام الكهروضوئي في نهاية عمرها الافتراضي أو أثناء التصنيع (داخل المصانع)، وإعادة التدوير بعد نهاية العمر الافتراضي مهم جداً لتقليل الأثر البيئي للطاقة الشمسية.
بعض مكونات الألواح مثل الزجاج والألمنيوم والسيليكون (الخلايا)، البلاستيك قابلة للتدوير، وبعضها يعتبر نفايات إلكترونية خطرة، لاحتوائها على عناصر سامة مثل (الكادميوم، السيلينيوم، الإنديوم)، لكن نسبتها صغيرة لا تتجاوز 1 بالمئة بالنسبة لمكونات الألواح.
وبالنسبة للبطاريات، فبعض مكوناتها قابل للتدوير، وبعضها يعتبر نفايات خطرة سامة مثل الكادميوم.
والانفرترات تحتوي على مكونات إلكترونية تصنف كنفايات إلكترونية قابلة للتدوير جزئياً (النحاس ، الألمنيوم، بعض المعادن النادرة).
أما النفايات الناتجة أثناء التصنيع مثل بقايا السيليكون، مواد كيميائية معالجة ومذيبات وغازات مثل(SF6)، فتستخدم في بعض العمليات الصناعية.
تدار هذه النفايات داخل المصانع الحديثة وفق معايير بيئية صارمة.

خطر بيئي وصحي
الدكتور يوسف يكشف أن الإهمال في معالجة النفايات الناتجة عن الطاقة الشمسية، يحولها من مصدر نظيف للطاقة إلى خطر بيئي وصحي حقيقي.
وتتمثل التأثيرات البيئية في تلوث التربة والمياه الجوفية، إذ تتسرب المعادن الثقيلة إلى التربة عندما تتعرض للمطر أو الرطوبة، ويؤدي ذلك إلى تسمم بيئي طويل الأمد، تصعب معالجته.
وأيضاً تلوث الهواء، ففي حال تمّ حرق الألواح والبطاريات، تنطلق غازات سامة تلوث الهواء وتزيد من أمراض الجهاز التنفسي والأمطار الحامضية.
وقد تهدد الحياة المائية نتيجة تسرب الليثيوم أو الرصاص إلى الأنهار والبحيرات، ما يسبب موت الأسماك والكائنات المائية وتراكم السموم في الكائنات التي يستهلكها الانسان لاحقاً.
عدا عن التلوث البصري والنفايات الصلبة الضخمة، حيث أن بعض الألواح الشمسية القديمة كبيرة الحجم ويصعب تحللها، يؤدي تراكمها في مواقع مكشوفة إلى تلوث بصري وتغطية أجزاء من الأراضي الزراعية وخطر حرائق نتيجة انعكاس الضوء أو الاشتعال الحراري لبعض المكونات.
تأثيرها على الصحة
هناك تأثيرات للنفايات الناتجة عن الطاقة الشمسية، وخاصة العناصر الثقيلة، يشير د. يوسف إلى أن المواد الثقيلة تتراكم في جسم الإنسان عبر الغذاء والماء، ما يسبب أضراراً مزمنة، حتى عند الكميات الصغيرة، حيث تسبب الكثير من الأمراض كسرطان الرئة والكبد وهشاشة العظام، واضطرابات عصبية، وانخفاض الذكاء عند الأطفال وأمراض الكلى وتهيج وحساسية جلدية واضطرابات في التنفس.
إضافة إلى الأثر الاجتماعي والاقتصادي غير المباشر، ومنه أن تكاليف تنظيف وتطهير البيئة الملوثة مرتفعة جداً، و فقدان الثقة في مشاريع الطاقة المتجددة إذا تسببت في التلوث.
وكذلك يمكن أن تسبب ضرراً على المزارعين والمجتمعات القريبة من موقع التخزين أو الطرح العشوائي.
مقترحات
وطرح د. يوسف مقترحات لإدارة ومعالجة نفايات الطاقة الكهروضوئية، أولها إعادة التدوير” Recycling”، من خلال استرجاع الزجاج، الألمنيوم، السيليكون، وإعادة صهر المعادن الثمينة، وتفكيك البطاريات واسترجاع المواد الفعالة منها، وإعادة الاستخدام Reusing، أي إعادة استخدام الألواح ذات الكفاءة المتوسطة في تطبيقات أقل أهمية، والمعالجة الآمنة للنفايات الخطرة، عن طريق فصل الكادميوم والرصاص بطريقة تمنع تسريبها إلى البيئة.
وعن الخطوات اللازمة لتجنب الآثار السلبية لنفايات الطاقة الشمسية بين د. يوسف أنه حالياً لا توجد خطة وطنية متكاملة لمعالجة أو إعادة تدوير نفايات أنظمة الطاقة الشمسية في سورية، سواء على مستوى الألواح أو البطاريات المستخدمة في الأنظمة المستقلة، حيث تُركب الأنظمة في المنازل والمرافق العامة من دون تحديد آلية لجمع المكونات المنتهية الصلاحية أو التخلص الآمن منها.
ونوه بضرورة إعداد إطار وطني لإدارة نفايات الطاقة الشمسية ضمن استراتيجيات الطاقة المتجددة، وإنشاء نقاط جمع مؤقت للألواح والبطاريات التالفة بإشراف البلديات، وحظر الحرق أو الطرح العشوائي وتفعيل الرقابة البيئية، وتنفيذ برامج توعية للمستخدمين حول التخزين الآمن وإعادة التدوير.
بالإضافة لإعداد برامج تدريب وتقنين للصيانة لتقليل التخلص المبكر من المعدات الرديئة أو المقلدة.
وأيضاً إدراج شرط (مسؤولية المنتج) في القوانين الجديدة، بحيث يكون المورد أو الموزّع مسؤولاً عن استرجاع المكونات بعد انتهاء العمر الافتراضي لها، و عقد شراكات مع منظمات دولية أو شراكات إقليمية لإعادة التدوير “تصدير المخلفات ضمن مجموعات إلى مصانع تدوير في الخارج كحل مؤقت”.
وختم د. يوسف بأن تطوير سياسة وطنية لإدارة نفايات الطاقة الشمسية يعد خطوة أساسية لضمان استدامة قطاع الطاقة المتجددة في سورية وحماية البيئة والصحة العامة للأجيال القادمة.