الثورة – هبه علي:
في خطوة تهدف إلى إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة ضمن منظومة العدالة، أعلنت وزارة العدل أمس عن تركيب مئة كاميرا مراقبة في عدلية دمشق، و يمثّل هذا الإجراء جزءاً من خطّة أوسع تسعى إلى الحدّ من التجاوزات الإدارية وتحسين الأداء الكلي للمحاكم والمؤسسات القضائية في البلاد.
إجراءات متكاملة
تعليقاً على هذا القرار، أوضح عضو فرع نقابة محامي ريف دمشق وعضو لجنة كشف الحقيقة بفرع نقابة المحامين بريف دمشق فادي هارون لصحيفة الثورة :إن تركيب الكاميرات ليس إجراءً معزولاً، بل هو تتويج لسلسلة من الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الوزارة.

وأشار هارون إلى أن هذه الإجراءات بدأت بـ “عزل القضاة الفاسدين أو المتورطين في إشكاليات كبيرة”، سواء في دائرة التشريع أو كبار النواب العامين الذين كانت عليهم قضايا فساد، مما يمثل “أول إجراء” لترميم ثقة المجتمع بالقضاء.
وتلا ذلك، حسب المحامي هارون، “تعزيز القدرة المادية للقضاة والموظفين” من خلال صرف بدلات نقدية عاجلة، بهدف تحقيق اكتفاء مادي يمكنهم من التركيز على أداء أفضل بعيداً عن ضغوط الحاجة، أما الخطوة الثالثة، فتمثلت في “إصلاح جسم التفتيش القضائي”، مع “إيجاد آليات متعددة للتواصل” بين التفتيش القضائي والجمهور، بهدف ضمان رقابة فعّالة ومحاسبة حقيقية.
وتابع هارون القول :إن هذه الإجراءات الثلاثة كان هدفها الأساسي “تحسين سمعة القضاء ووزارة العدل” في المنظومة السابقة، قبل أن تأتي خطوة الكاميرات “لتعزيز الشفافية ومحاسبة المخالفين من قضاة أو موظفين”.
بين التأييد والتحفظ
وفي هذا السياق أشار هارون إلى تباين المواقف دولياً، حول استخدام كاميرات المراقبة في المحاكم، فالعديد من الدول قد تبنت هذا النهج كأداة لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد- وعلى سبيل المثال- استخدمت المملكة المتحدة كاميرات المراقبة في بعض محاكمها منذ بداية الألفية لتوثيق إجراءات المحاكمات وتوفير سجل مرئي يمكن الرجوع إليه، وتطبّق ألمانيا والولايات المتحدة تقنيات مشابهة، لكن مع قوانين صارمة لحماية حقوق الخصوصية للأطراف المعنية بالجلسات، لضمان عدم انتهاكها.
في المقابل، أبدت دول أخرى تحفظات كبيرة على استخدام الكاميرات داخل قاعاتها القضائية- فرنسا على سبيل المثال- فرضت قيوداً على التغطية الإعلامية داخل محاكماتها، معتبرة أن وجود الكاميرات قد يشوه العدالة أو يشكّل عبئاً على سير القضايا، كذلك امتنعت السويد وكندا عن توسيع استخدام الكاميرات، بحجة أن ذلك قد يؤثر على حقوق الأفراد في الحصول على محاكمة عادلة ويعرض المتهمين للأضواء الإعلامية التي قد تضرّ بسمعتهم.
تحديات التطبيق
مع الإشادة بالتوجه نحو تعزيز الشفافية، طرح هارون تساؤلات حول آليات التطبيق في الحالة السورية، فمن الضروري تحديد “آليات واضحة لحفظ التسجيلات ومراجعتها بشكل قانوني” لضمان عدم استخدامها لأغراض غير مشروعة.
كما يطرح التساؤل حول مدى وجود “رقابة حقيقية” على استخدام هذه المواد.
وإلى جانب ذلك، هناك إمكانيات لاستخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي أو التحليل البياني لتحسين عملية المراقبة، لكن يجب تطبيقها “بحذر” شديد.
ويشدد الخبراء على أن نجاح هذه الخطوة رهين بترافقها مع “تشريعات تضمن حماية حقوق الأفراد”، وإلا فإن استخدام الكاميرات قد يثير جدلاً قانونياً واسعاً حول التوازن بين الشفافية وحماية الخصوصية وحقوق المحاكمة العادلة.