طفولة تحت المجهر.. قراءة تربوية في جذور العنف المدرسي

الثورة – ميسون حداد:

لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل جدار يفصل بين مدرستين إلى مصدر خوف لأطفال لا زالت أحلامهم طريّة، تلقّوا الحجارة بدل السلام والجرح بدل الدرس.

وجوه صغيرة عادت إلى بيوتها بخدوش وندوب، وأرواحها تحمل ما هو أعمق من الألم.. الخوف، والدهشة، والسؤال الكبير، لماذا؟ ما الذي يدفع طفلاً ليرمي طفلاً مثله بالحجر؟ أين ضاعت البراءة؟ أهي تربية غائبة؟ إدارة متوارية؟ أم قلوب امتلأت بما لا تستطيع التعبير عنه إلا بالعنف؟

لذلك توجهت الثورة بالسؤال إلى السيدة يسرا خليل عباس، وهي محاضرة في كلية التربية بجامعة دمشق وموجهة تربوية سابقة في مدينة دمشق، للبحث عن جذور ما حدث، أسبابه وآثاره على الأطفال وبيئة التعليم، وسبل الوقاية.

جذور السلوك العدواني

وصفت عباس مرحلة الطفولة بأنها طبيعية مليئة بالحركة والطاقة، مشددة على أن رمي الحجارة سلوك غير مقبول ويعكس غياب التوجيه السليم في البيت والمدرسة، وبينت: “الأسرة هي الأساس، فالكلمة الإرشادية من الأب أو الأم قبل الذهاب للمدرسة، والاهتمام بتعليم الطفل أن الأذى غير مقبول، تلعب دوراً كبيراً في تشكيل سلوكه”.

 

وأضافت أن المدرسة تساهم أيضاً في توجيه الطلاب، من خلال المراقبة اليومية، وتوفير أنشطة رياضية وفنية، وأساليب تعليمية تفاعلية تساعد الأطفال على تفريغ طاقتهم بطريقة إيجابية، وتعزز قيم التعاون والانضباط والاحترام.

دور الدعم النفسي والاجتماعي

أكدت عباس أن نقص المرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدارس يفاقم مشكلة العنف، مشيرة إلى أن هؤلاء المرشدين يمثلون “الطبيب والمعالج والأب الروحي” للطلاب، وأوضحت: “وجود مرشد لكلّ شعبة يمكنه من متابعة شخصية كلّ طالب، والتعاون مع الأهل والإدارة، ووضع خطّة علاجية فردية تساعد على توجيه سلوكيات الطفل نحو الإيجابية وتقليل العدوانية”.

وأكدت أن متابعة الطلاب منذ الصفوف الأولى، مع الدعم المستمر والمكافآت على السلوك الإيجابي، تساعد على بناء شخصية متوازنة وقادرة على التحكم في الغضب.

تعتبر عباس أن المنزل هوالركيزة الأساسية للتنشئة السليمة، أما المدرسة فهي مكان لترميم وتصحيح الأخطاء، وليست البديل عن التربية الأسرية، فالأب والأم هما القدوة الأساسية للطفل في الحبّ والاحترام وقيم التعاون”.

وأضافت أن الظروف الاجتماعية مثل الفقر، التفكك الأسري، التنمر، أو التعرض لمحتوى عنيف على الانترنت، يمكن أن تؤثر سلباً على سلوك الطفل، لذلك يكون توجيه الأهل أثناء اللعب ومتابعة المحتوى الإعلامي أساسياً لتخفيف العدوانية.

الأنشطة التعليمية والفنية كأداة للوقاية

أكدت عباس أن المناهج المدرسية يجب أن تراعي خصائص الأطفال وتوفر فرصاً لتفريغ الطاقة السلبية، وتعتبر أنّ الرياضة، والرسم، والموسيقا ليست رفاهية، بل أدوات أساسية لتحويل الطاقات السلبية إلى إيجابية، حتى الدروس العلمية يمكن تحويلها إلى أنشطة مرحة تشجع الطلاب على التعلم وتفريغ طاقتهم في الوقت نفسه.

وأضافت أن تنويع أساليب التدريس ومراعاة الفروق الفردية للطلاب، باستخدام الألعاب التعليمية والقصص التفاعلية، يساعد الأطفال على التعامل مع الغضب والتحكم بالعواطف، ويجعل المدرسة بيئة أكثر أماناً وجاذبية.

معالجة السلوكيات العدوانية

أشارت عباس إلى أن المرشد النفسي يتعامل مع الحالات المتطرّفة بشكل فردي، من خلال جلسات توجيهية، تقييم الحالة الاجتماعية والنفسية للطالب، من خلال تسجيل كلّ حالة ومتابعتها بعناية، ووضع خطّة علاجية، يساعد على تعديل سلوك الطفل وتقليل العدوانية تدريجياً وذلك بالتعاون المستمر مع الأهل والإدارة.

كما أكدت أن دور المعلم لا يقلّ أهمية، فهو يمكنه تحويل الدروس إلى أنشطة تفاعلية، وتشجيع التعاون بين الطلاب، والمكافآت على التميز والسلوك الإيجابي، مما يحدّ من المشاعر السلبية ويعزز شعور الانتماء للمدرسة.

تأثير الإعلام على الأطفال

لفتت عباس إلى أن وسائل الإعلام لها تأثير مباشر على سلوك الأطفال، مشددة على أهمية توجيه الطلاب للتفريق بين الواقع والتمثيل، وقالت: “إن الأهل والمرشدين النفسيين يجب أن يوضحوا للأطفال أنّ ما يشاهدونه من عنف أو أذى في التلفاز أو الانترنت ليس سلوكاً مقبولاً في الواقع، وأن عليهم توجيه طاقتهم نحو أنشطة إيجابية”.

وخلصت عباس إلى أن معالجة العنف المدرسي تتطلب تعاون الأسرة والمدرسة والمجتمع، من خلال التربية السليمة في المنزل وغرس قيم الحبّ والاحترام، وتوفير مرشدين نفسيين واجتماعيين لكلّ شعبة لمتابعة الطلاب بشكل فردي، وتنويع الأنشطة التعليمية والرياضية والفنية لتفريغ الطاقات السلبية، وتوجيه الأطفال حول استخدام الإعلام والألعاب الإلكترونية بطريقة سليمة.

وختمت عباس بأن تطبيق هذه الاستراتيجيات يسهم في نشأة جيل واعٍ، قادر على التعبير عن مشاعره بطريقة إيجابية، والابتعاد عن العنف، والتمتع بالتعلم في بيئة آمنة ومحفّزة.

آخر الأخبار
 تنقيب وحفر عشوائي.. ضبط تعديات على مواقع أثرية بدرعا عدلية دمشق تحت المجهر: 100 كاميرا مراقبة لتعزيز الشفافية القضائية ظهرٌ صغير.. وحملٌ كبير.. من المتضرر؟ التعاونيات درع النحالين في مواجهة التغيّر المناخي البيع بالوزن.. حل اقتصادي أم تحد للسوق المحلي ؟ استغلال معلن فياض: مبارك لجماهير حمص الفداء ونحذو حذو كرة السلة الفيفا في انتخابات اتحاد الكرة.. رسالة واضحة المعاني بطولة النصر والتحرير لكرة القدم في حلب الطفل قصي .. صوت يهزم الحزن بالغناء دفعة جديدة من المعهد التجاري الثاني نحو المستقبل الأرق العائلي.. جذوره وأدوات التشخيص  كيف نتغلب على هوس الإنجاز؟  طفولة تحت المجهر.. قراءة تربوية في جذور العنف المدرسي عنوسة الرجال.. حكاية جيلٍ يعيش بين العجز والخيبة بين رغبة الاستثمار وهواجس السياسة.. سوريا تستحوذ على أدوات التمويل البديلة توزيع ألبسة شتوية على مهجري السويداء في جمرين وغصم بدرعا   زيارة مفاجئة واعتذار وزير الصحة..  هل يعيدان رسم مستقبل القطاع؟   5 آلاف سلة غذائية وزّعها "الهلال  الأحمر" في القنيطرة آليات لتسهيل حركة السياحة بين الأردن وسوريا