إميل زولا يطلق الوحش البشري

 

الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

ولد إميل زولا في باريس في 2 نيسان عام 1840، وتوفي فيها في 29 أيلول عام 1902، وهو كاتب وصحفي ورجل دولة فرنسي من أصل إيطالي، عاش في القرن التاسع عشر، واستهل حياته المهنية بالكتابة في الصحف، ثم أصبح بعد ذلك رائد المذهب الطبيعي للأدب الفرنسي.
لم يتوقف زولا قط خلال مسيرته الأدبية عن الدفاع عن القضايا الاجتماعية والفكرية والفنية في عصره، وامتاز أسلوبه بالدقة والموضوعية، إذ إنه كان يعتمد على التقصي والبحث العميقين من خلال خبرته الشخصية، ومن خلال المراجع المكتوبة، ثم يدع للحدس والتخيّل اللذين يمتاز بهما أن يقوما بالباقي.
كتب زولا الشعر، وله في ذلك مؤلفات عدة، وكان المسرح طريقه السريع للشهرة والثروة. أما عمله القصصي الأول فقد كان عبارة عن مجموعة من القصص كتبها زولا وهو في العشرين من العمر، ونُشرت تحت عنوان (حكايات نينون).
الوحش البشري
نُشرت رواية (الوحش البشري) في العام 1890، وهي الجزء السابع عشر من سلسلة روايات «روغان – ماكار» التي تتألف من عشرين رواية، والتي كتبها زولا، وتناول فيها جوانب من الحياة الفرنسية في ظل الإمبراطورية الثانية.
تدور أحداث هذه الرواية في عالم السكة الحديدية والقطارات على طول خط باريس – الهافر. ويبدؤها زولا بتصوير جريمة قتل قام بها زوج مطعون في شرفه بعد أن اكتشف العلاقة الشاذة بين زوجته وحاميهما القاضي العجوز «غرانمورين»، وبين ربيبته «سيفيرين» زوجة الرجل المخدوع منذ أن قام القاضي بالاعتداء عليها وهي في السادسة عشرة من عمرها.
يسوق لنا زولا وعبر عرضه جملة من المفارقات ما يكون من ظلام النفس البشرية حينما تدفعها ظروف بعينها إلى تغييب العقل، وتحييد المنطق جانباً، ليظهر على السطح ما خفي من سوداويتها، وبدائيتها وهمجيتها. فالقاضي العجوز تدفعه غرائزه الجنسية الشاذة إلى اضمحلال شعوره بالمسؤولية تجاه مكانته الاجتماعية، وتسطح أمامه أهمية أي شيء باستثناء التمتع برغباته اللاسوية. أما الزوج المخدوع فقد دفعت به موجة الغيرة التي انتابته فأطفأت نور العقل في رأسه إلى معاقبة زوجته على علاقة لم يكن لها طائل فيها، وإلى قرع أجراس الجنون في رأسه، التي أيقظت بدورها الوحش البشري الكامن وراء شخصية هذا المعاون في محطة السكة الحديدية الهادئ، والمجدِّ في عمله، فدفعته إلى قتل القاضي العجوز بدم بارد.
ينقلنا زولا بعد ذلك إلى الحديث عن «جاك» وهو الشاهد الوحيد على الجريمة التي اقترفها «روبو» بحق القاضي. و»جاك» هذا هو شخصية مركبة، عانت منذ صغرها من هاجس قض مضجع الأمن والسلام في نفسها؛ هاجس حاول «جاك» وطوال فترة مراهقته وصباه أن يكبح جماحه، وهو الرغبة العارمة لديه بقتل أي امرأة تجمعه بها علاقة ما؛ رغبة تولّد لديه النشوة والانتصار.
استطاع «جاك» أن يلجم هذه الرغبة الشاذة في نفسه، بأن ابتعد عن النساء، ولم يحرص على أن تجمعه علاقة بإحداهن، إلى أن شاءت الأقدار والمصادفة أن يجتمع بـ «سيفيرين» زوجة «روبو»، فشعر ومنذ الوهلة الأولى بهذا الحب الجارف تجاه هذه الأنثى، التي قد يكون حبها هو المنقذ له والخلاص، من ذاك الوحش البشري القابع حتى الآن في غياهب نفسه التي تحاربه وتلجمه بكل ما أُتيح لها من قدرة ووسائل.
وفعلاً كان لجاك ما أراد، إذ إن حب «سيفيرين» له، والعلاقة التي جمعتهما سوياً استطاعت أن تحرره لأشهر عدة من هواجس القتل المشوب باللذة، إلى أن جاءت تلك اللحظة التي أرادت فيها هذه المرأة التخلص من زواج أنهكتها تقلباته المزاجية، وتجمد الدم في عروقه، وذلك بدفع عشيقها إلى قتل زوجها، فحررت عبر هذا الطلب شهوة جاك القديمة للقتل، وأطلقت العنان لنوازعه الهمجية، ولذاك الوحش الذي حاول جاك طويلاً ألا يفلت من عقاله.
وفي ليلة تنفيذ الجريمة التي أزمع العشيقان على ارتكابها بحق «روبو»، انتصر منطق السواد الذي بدأ يطغى على منطق الحب، وعادت إلى الحياة وبشدة الرغبة المشوهة القديمة التي انتابت جاك منذ صغره في قتل أي امرأة تقع يداه عليها، فتناول جاك السكين وغرزها – في لحظة هوس بتحقيق أمنياته الدفينة – وبكل قوة في صدر «سيفيرين» حبيبته، ليستمتع بصرخة الاكتفاء التي أطلقها شيطانه الوحشي بعد أن استكمل شهوته. وبعد أن نام شيطانه، وثاب إلى رشده، أدرك أي جريمة قد اقترف، فراح يعدو باتجاه السكة الحديدية، طالباً من أحد قطاراتها أن ينهي حياة هذا الوحش البشري الذي يضمه صدره.

التاريخ: الثلاثاء14-4-2020

رقم العدد : 994

آخر الأخبار
عودة النازحين.. حين تتحوّل فرحة الرجوع إلى معركة يومية للنساء استقرار سوريا.. رهان إقليمي ودولي وتحديات مفتعلة إدلب تطلق مؤتمرها الاستثماري الأول.. فرص واعدة لبناء مستقبل مستقر الضربة الأمريكية لإيران... بين التكتيك العسكري والمأزق الاستراتيجي تحالف حاضنات ومسرعات الأعمال السورية "SAIA" لتحفيز الابتكار إيران تستهدف قاعدة العديد بقطر رداً على الهجوم الأميركي عقوبات أوروبية جديدة تطول خمسة أشخاص على صلة مباشرة برئيس النظام البائد وزير الداخلية يُعلن تفكيك خلية لتنظيم داعش متورطة بتفجير كنيسة مار إلياس محافظ إدلب يستقبل المفوض السامي للأمم المتحدة لبحث دعم اللاجئين اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي الفعاليات الثورية والمدنية بدرعا تأهيل المدارس بالتعاون مع "اليونيسكو" تفجير الكنيسة.. غايات الإرهاب تحطمها وحدة السوريين تعزيز الأمن السيبراني بالمؤسسات العامة وبناء الكفاءات الوطنية نقل الملكيات العقارية.. خطوة اقتصادية.. قيراطة لـ"الثورة": استئناف عمليات التسجيل بعد صدور التعليمات سلامة الغذاء في خطر .. إشارات سلبية جراء تفاقم انعدام الأمن الغذائي خبير اقتصادي للثورة: رافعة ضرورية لتحريك السوق الداخلية. الخطوط الحديدية تنقل 6000 طن قمح من مرفأ طرطوس  مستشفى اللاذقية الجامعي.. زيادات ملحوظة بالعلاجات .. وأقسام جديدة قداسٌ في السويداء عن راحة نفوس شهداء التفجير الإرهابي في الدويلعة تردي الخدمات في البويضة.. ورئيس البلدية لـ"الثورة": الإمكانيات محدودة