ثورة أون لاين:
قدر الثقافة أنها حاجة عظيمة، لكنها مهملة، في مجتمعاتنا. بل هي آخر ما تفكرِّ به الحكومات، وآخر اهتمامات الخطط. وكأن الثقافة باشتقاقاتها الأدبية، والفنية، والفكرية، كمثل حالة ترفيهية، وسياحية هامشية، يحتاجها المواطن قليلاً، أو لا يحتاجها.
قد يكون العصر الحالي مرتبكاً بالفوضى،والزيادة السكانية،و أحوال الخراب والتدمير والعيش. وهذا يجعل الإنسان مندفعاً باتجاه اللقمة، كمرتكز للبقاء . والثقافة ايضاً هي التعبير على الاستمرار والتواصل مع الحياة. هي النسغ الذي تقوم على أساسه شجرة وعي الناس، واهتماماتهم وهمومهم، وأفكارهم. قديماً وحديثاً الوعي الراقي والمعافى، في المجتمع المتماثل للشفاء من الجهل. قصائد المتنبي حاجة إنسانية، لاتقلُّ شأناً عن قلعة حلب، بل القصائد يقيت كتعبير حضاري راقٍ، عن مستوى الحب، والوفاء والبطولة، من أجل الوطن، بكل مدلولاته وتعريفاته. واللغة العربية بلهجاتها الباقية، وبشفهيها ومكتوبها باقية كأرقى تعبير حضاري، متفوقٍ على التعبيرات الحضارية الاقتصادية الأخرى.. اللغة العربية حاجة في جميع المراحل الحضارية لاغنى عنها، ولايمكننا أن نراها بأي شكل من الأشكال أقل فاعليةً وأداءً حياتياً مراداً وضرورياً من أجل البقاء والعيش الكريم، من أي نشاط اقتصادي مهما علا شأنه وتعززَّت أهميته. والعيش الكريم، هو المسور بالوعي، والثقافة، وإذا شطبنا صفة «الكريم» عن العيش، يصبح البقاء بليداً، ورديئاً ومنحطاً كبقاء “البرغش” والآفات المتطفِّلة على يخضور الشجر والبيئة والصحّة العامة. أي سيارة محظوظة في أي شركة أو مؤسسة تمويلها جيد، وميزانيتها بدينة أونحيلة، «يُكلِّف» اصلاحها أكثر من إصلاح ثلاثة أو أربعة أدباء، من القياس الوسط أو المقبول أو الجيد. وبعض المصاعد،«يُكلِّف» ترميمها، أكثر من ترميم أوضاع كتاب عديدين، من قياسات مختلفة، دارجة، وغير دارجة. لماذا نتعاطى مع الثقافة بمعناها الإنساني، على أنها حاجة مهملة؟! هذا ما يحصل في الكثير من السلوكيات اليومية والإدارية والخططية والحكومية: آخر ما تفكرِّ به، بل وتعتبر الثقافة «كلها على بعضها» قضية لاحاجة إليها، ولانفع منها؟! حسين عبد الكريم