الثورة – رفاه الدروبي:
بدأت بسمة شيخو الشعر نهاية العقد الأول من عمرها، فدوَّنت نصوصها الأولى على دفترٍ رسمت غلافه وعنونته بديوان شعر من تأليفها، جسَّد نبوءتها الأولى.
كان للبيت أثر في تمتين موهبتها.. إنَّها ابنة لوالدين مثقفين دائمي القراءة، فالكتاب بجانب السرير منظر أساسي في غرفتهما، امتلك والدها مكتبة عامرة تضمُّ أمهات الكتب، لذا شرعت تتصفحها متى شاءت، حتى استطاعت الوقوف بثبات، إضافة إلى والدها الذي منحها ثقة كاملة، ومفاتيح تفتح الأبواب لتصنع طريقها، كما ترك اهتمام والدتها دوراً أساسياً في حياتها، كونها شجَّعتها على الرسم والعزف على آلة الكمان، ونالت شهادة الماجستير في الفنون الجميلة.
نثرت الضوء
كتبت شيخو قصيدة النثر بعد أن استهوتها منذ البداية، فأحاطت بالمواضيع المعاصرة، ووجدت أنَّ النوع النثري كان الأصعب والأقدر على الإحاطة بالمواضيع المعاصرة، من دون الانشغال بالتفاصيل الشكلية، لأنَّه يقدِّم الشعر الخام بعيداً عن الزينة والموسيقا والإيقاع، ومن الممكن أن يسحر المتلقي، ويشغله عن تكرار المواضيع، فقلة الدهشة مَنْ تصنعها الصور الشعرية أو غياب الخميرة العاطفيَّة عن القصيدة، فقصيدة النثر تكشف ضحالتها بسلاسة وسرعة، فإمَّا أن تكون شعراً أو مجرد كلام عادي. وعلى الرغم من أنَّ قصيدة النّثر أخذت مكانها عالمياً وعربياً أيضاً فلا يزال البعض يُشكِّك في كونها شعراً أو لا، والسبب في ذلك الرغبة من المتلقي بالتلقي السهل وفق نماذج من الشعر العربي موجودة في ذاكرته الجمعيَّة، وهناك آخرون يجدون بقصيدة النثر تهديداً للثقافة العربية مَنْ بدأت بالشعر، مع أننا نجدها بقليل من التفكير حماية للشّعر العربي، وحفظاً لمكانته ضمن مسار الثقافة والشعر العالمي.
معجونة بحبِّ دمشق
لا تؤمن الشاعرة بسمة شيخو بالشعر النسوي، ولا تجده إلا انتقاصاً من شاعرية المرأة، وعدم قدرتها على الإحاطة بالمواضيع كافةً، لكن لا ينفي كونها تكتب بطريقة مختلفة، وتعالج الأفكار بطرق مميزة عن الشعراء الرجال لما تحمله من عواطف، وقدرة على الانتباه للتفاصيل والإلمام بها، لذا كتبت عن الحرب والثورة، عن الحياة والموت، فالواقع يتجلى بالمادة الخام للشعر، والشرارة تشعل القصيدة حين تبدأ من مشهد أو كلمة، وتكمل بطريقها الخاص، فيبدأ النص من شعورٍ داخلي لكنَّه بالأصل نشأ من مؤثرٍ خارجي، إذ كتبت الكثير عن دمشق عن برداها وغوطتها.. دمشق المكان المعجون بخلاياها إنَّها ابنتها البارة بها، ولا تستطيع مفارقتها يوماً، لذا اختصرت علاقتها بدمشق بنّص لها:
لا اسم لي سوي دمشق
كلّما ناداها أحدٌ صحت: مَنْ بالباب
وكلّما أحبّها أحدٌ احمرّت وجنتاي
مؤخراً صارت نصوصها أكثر تأملاً بالوجود والحياة ومفرداتها، وفي نقطة الالتقاء تجد نفسها تكتب عن أعمق نقطةٍ داخلها، أمَّا كتابة القصة فطارئة عليها إنّها مسكونة بالشّعر، ولديها إيمان بأنَّ الشّعر الحقيقي يحفر في روح سامعه ليصنع بعد زمنٍ ليس بالطويل تغييراً ملحوظاً، فتولّد لديها قناعة شخصيّة بأنّه ليس فقط أساس الأدب بل والفن التشكيلي والسينمائي، وهناك نقاط تلاق كثيرة بينهم حتّى أنّها تبصر الشّعر في تفاصيل الحياة، في تراقص الشّجرة أثناء الرّيح، والموجة تتمسّك باليابسة، بصوت العصافير وتزاحمهم فوق شجرة الكينا، يبدو في كلّ مكان من حولنا، فمهما كان النّوع الأدبي مَنْ كتبته أو ستكتبه سيكون الشّعر حاضراً، فإن لم تروا وجهه ستبصرون أثراً منه.
الكتابة عالقة، الكتابة لديها بمثابة الكلمة الأخيرة العالقة في الحنجرة، تريدها أن تخرج عاليةً مدويّة، والأهم صادقة! لكن بالطبع لتكون اليد الواصلة والظهر القوي والكلمة المسموعة وتلك القدرة على تغيير تراكمات عشرات السنين أو أكثر يجب أن تكون حبلاً متيناً من خيوط كثيرة مجدولة بمهارة عنكبوت، أولها يتعلق بالكتابة نفسها، ويجب أن تكون إصبعاً يفقأ عين العالم.. لساناً ممدوداً في وجه الطاغية تحمل تحت إبطها أقداماً.. أيادٍ، وألسنة.
كلما كسرت واحدة بدلتها، وكلما قُطع لسانٌ أنبتتْ آخر؛ لتوصل في النهاية صوتاً مغيَّباً يحمل في منفاه البعيد الحقيقة القادرة على التغيير، فخلف القضبان لا يوزّعون أوراقاً، وفي القبور لا يملكون أقلاماً، وبعض الناس لا يتقنون الكتابة حتى! وتقول عن الثورة السورية بعنوان ” صرخة”:
لا كَهربَاءَ الليلة
المللُ يكادُ يقتُلُني
الكُتبُ لزِجَةٌ تنزلِقُ من يَدي
الأَقلامُ تَكرهُني
أُحسُّ بهَذا
كلُّ ما في هَذا البَيتِ يَصرُخ
ابتَعدي عَني!
بَاليةٌ هي ذكرَياتِي
مِن كَثرةِ ما لُكتُها
فَقدَتْ طَعمَها
وأنتَ كَائنٌ رَماديّ
لا تُثيرُني ألوانُك
ولا يُغريني حُضورُكَ ولا غِيابُك
أتَسلَّى بعدِّ الشُّهدَاء
أبدأُ مِن البَيت
الحيّ
المَدينَة
أُفٍّ للأَرقَام
أكرهُها
أعدَادُهم كَثيرَة
والدِّماء بَدأتْ تَسيلُ بغزَارةٍ من فَمي
أَقفُ أَمامَ المِرآةِ أرى وجوهَهم مُتزَاحمَةً أَمَامي
أمدُّ يدي أصافحُهم
أخجَلُ من دِمائهم على وَجهي
ومن عُبوسي الفَجّ
أمَامَ البَسمةِ في أعيُنهم
أبتعدُ مُسرعَةً
كي لا يَسأَلوني عن شَيء
لا أُتقنِ الإِجابَات
ولستُ من هُواة مُحادَثةِ المَوتَى
أَصعدُ للسَّطح
نَفَسٌ طَويل أكادُ معَه أَن أبتلعَ بِضعَ نُجوم
أَصرخُ
“حُريَّة”
إصدارات من نور
كتبت في مجاليّ النقد الفني والثقافي بشكلٍ عام، فأنجزت خمسة دواوين شعريَّة عنوانها: “عبثٌ مع الكلمات، شهقة ضوء، آخر سكَّان دمشق، بحرٌ يخشى الغرق”، إضافة إلى مجموعة قصصيَّة لليافعين بعنوان: “الرَّجل الذي غاب في الشَّمس”، وكتاب اختصاصي في مجال عمارة أبنية الأطفال، كما سيصدر لها قريباً ديوان جديد تحت عنوان: “أبواب” بالتَّعاون مع دار بتانة في مصر، ومجموعة هايكو بعنوان: “فوق سحابة”، وتعمل على مجموعة قصصيّة للكبار بعنوان: “خطأ مطبعي”، كذلك شاركت في مهرجانات وأمسيات شعريَّة في عدد من الدول العربيَّة أبرزها: “الجزائر”، فامتلكت قلبها منذ اللقاء الأول، وآخر جولاتها في العراق حيث القت الشعر هناك في مهرجان بابل للثّقافة والفنون.