ثورة أون لاين- منهل ابراهيم:
لطالما أتحفت الإدارات الأميركية المتعاقبة العالم ببيانات وتصريحات وتحذيرات وادعاءات بالخوف على الحريات وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.. ولطالما استخدمت مصطلح حقوق الإنسان لتبرير سياساتها وتدخلاتها وحروبها على الدول الأخرى.. فكل من يعارض سياسات واشنطن ولا يخضع لشروطها واملاءاتها يصبح ديكتاتورا وعدوا للحريات والقوانين والإنسانية، وبالتالي لابد من تخليص البشرية منه لأن الولايات المتحدة هي الشرطي الجيد الذي ينقذ المظلومين دائما.
المتتبع لتصريحات وتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاحتجاجات التي تشهدها العديد من الولايات الأمريكية على خلفية مقتل رجل أسود خنقا على يد ضابط أبيض، وحديثه عن تدخل القوات الاتحادية والكلاب الشرسة والأسلحة المرعبة التي تنتظر المحتجين، يشعر وكأنما أمريكا تتعرض إلى غزو خارجي.
الأوامر التي أصدرها ترامب للجيش الأمريكي بإطلاق النار على المتظاهرين الذين وصفهم بالعصابات المخربة واللصوص والبلطجية، كشفت عن وجود حالة انفصال كامل يعيشها ترامب عما يجري حوله، فالرجل يتعامل مع المحتجين وكأنهم جيش محتل يستوجب التصدي له بكل ما تمتلك الدولة المُحتلة من إمكانيات.
إلى حد هذه الساعة التي سقط فيها العديد من القتلى على يد قوات الجيش والأمن والشرطة، لم يغرد ترامب ولا حتى مرة واحدة بتغريدة يمكن أن يستشف منها تعاطفا مع المحتجين والضحايا أو دعوة لتهدئة الأوضاع والتقليل من حدة التوتر أو نقدا للتعامل الوحشي للشرطة، بل على العكس تماما، تم وسم تغريداته على تويتر على أنها تمجد العنف.
انطلاقا من هذا الشعور إزاء المحتجين انتقد ترامب عمدة العاصمة الأمريكية واشنطن موريل باوس، لأنها لم ترسل قوات لقمع المحتجين الذين اقتربوا من السياج الخارجي للبيت الأبيض، وهو اتهام كذبته الخدمة السرية الأمريكية الخاصة بحماية المسؤولين الأمريكيين، التي أكدت في بيان لها أن شرطة العاصمة كانت حاضرة عند حدوث الاحتجاجات أمام البيت الأبيض، كما دعت موريل باوس، ترامب إلى الكف عن نشر تغريدات تثير الانقسام وتحرض الأمريكيين بعضهم على بعض.
مواقف وتصريحات ترامب هذه والتي تطالب باستخدام القوة المميتة وبشكل علني ومتكرر ضد المحتجين دون أدنى رحمة أو تعاطف، تؤكد وبشكل واضح أن ترامب لا تربطه أي رابطة دم أو أرض أو عقيدة بالمحتجين، الذين يعتبرهم ، انطلاقا من عنصريته المعلنة، دخلاء على المجتمع الأمريكي، الذي لا يملكون فيه حتى حق الاحتجاج.
ولطالما اتحفت الإدارات الأميركية المتعاقبة العالم ببيانات وتصريحات وتحذيرات وادعاءات بالخوف على الحريات وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.. لكن من يمكن أن يصدق هذه الكلمات؟ ومن يمكن أن يقتنع بان الولايات المتحدة، خاصة في عهد دونالد ترامب هي الأمينة على حقوق الإنسان والمحترمة للنفس البشرية؟ فقط اولئك الذين لم يشاهدوا ولم يقرؤوا ولم يتابعوا ما يحصل في الولايات المتحدة منذ ايام على خلفية مقتل الشاب جورج فلويد.
ما يحصل يوصّف بأنه عنصرية وتمييز وعنف وكراهية في ان واحد. والقاسم المشترك فيها كلها دونالد ترامب، ولو كان تويتر يمارس صلاحياته بشكل جدي منذ البداية لكان حجب الكثير من تغريدات الرئيس الأميركي التي تسببت بوقوع أعداد كبيرة من جرائم الكراهية في الولايات المتحدة.
يقول ترامب إنه ليس عنصريا وان مناصريه ليسوا عنصريين بينما مشاهد جماعات اليمين المتطرف المتواجدة بقوة في كل تظاهرة ومهرجان لترامب يؤكد العكس.
وترامب ليس الراعي الوحيد لهذا النهج العنصري، فما يجري على خلفية مقتل جورج فلويد هو الحلقة الاحدث من مسلسل عنصري يعود تاريخه الى عقود طويلة… وما تتبجح به الإدارات الأميركية ويتباهى به الإعلام الأميركي من حريات وحقوق وإنسانية ليس الا وهما هوليووديا، والواقع يكشف أن وهم الصورة المشرقة والحقيقة البشعة يتواجدان في نفس الوقت على الساحة الأميركية كما يتواجد الصيف والشتاء على سطح واحد.
تكشف الأرقام (المتعلقة بعنف الشرطة والعنصرية لاسيما ضد ذوي البشرة السمراء) زيف الوهم الذي يحاول ترامب وإدارته (وكما الإدارات السابقة) إقناع الأميركيين والعالم به.
قتلت الشرطة الأميركية في العام الماضي 1099 شخصا
في العام الماضي (2019) أي خلال 365 يوما، مر 27 يوما فقط لم تقتل الشرطة فيها احدا
عدد الافرو-أميركان الذين يقتلون على أيدي الشرطة هو 3 أضعاف عدد البيض..
أكبر 8 مراكز للشرطة في الولايات المتحدة قتلت من الافرو-اميركان بمعدل اكبر من المعدل العام للقتل من قبل الشرطة في كل البلاد.
بين عامي 2013 -2016..في مدينة “بوفالو-نيويورك” معدل الجريمة كان 12% لكن الشرطة لم تقتل اي شخص من البيض بينما في “اورلاندو-فلوريدا” معدل الجريمة كان 9% (أي اقل 3%) لكن الشرطة قتلت 13 شخصا كلهم من ذوي البشرة السمراء.
الأخطر هو أن 99% من عمليات القتل من قبل الشرطة بين عامي 2013 و2019 لم تتم إدانة مرتكبيها بجريمة القتل.
العنصرية لا تقف هنا.. فقد خرج ترامب واصفا المحتجين على قتل جورج فلويد بقطاع الطرق مهددا بإطلاق النار عليهم وإرسال الجيش لقمعهم.. فيما تسابق مسؤولو إدارته إلى إلقاء اللوم على مندسين ومخربين من خارج الولاية، لكن تكشف أرقام الشرطة في “مينيابوليس” أن 80% ممّن اعتقلتهم في الاحتجاجات هم من المدينة.
واللعبة العنصرية لا تقتصر على هذا، فقد أعلن ترامب تصنيف منظمة “انتيفا” بأنها إرهابية متهما إياها بالتحريض على العنف والتخريب في الاحتجاجات. لكن نسي ترامب أكثر من 32 جماعة ومنظمة يمينية متطرفة تنشط داخل البلاد وبدا وجودها يتعزز منذ مجيئه الى البيت الأبيض، وظهرت بقوة في الأسابيع الأخيرة في التظاهرات ضد الحظر بسبب كورونا والتي حرض عليها ترامب نفسه، حيث ظهر مؤيدو هذه الجماعات المتطرفة مدججين بالسلاح أمام الكونغرس بينما رجال الشرطة لم يحركوا ساكنا في وقت كانوا يطلقون الرصاص على أي اسمر لا يعجبهم شكله.
(لا بد من التذكير بأن منظمة انتيفا وبغض النظر عن جنوحها نحو العنف من أبرز مبادئها مواجهة المنظمات الفاشية اليمينية المتطرفة) لكن العدو الأكبر لهذه المنظمة اليمين المتطرف والنازيون الجدد، وتعتبر بنظر الكثيرين “أحد أفضل النماذج لتوجيه ردود الفعل الشعبية والحركات العفوية لمواجهة الفاشية بطريقة منظمة ومركزة.”
تقول التقارير إن فرصة أن تقتل على أيدي رجال الشرطة الأميركية لأنك من ذوي البشرة السمراء أعلى من فرصة حصولك على عمل.. والمؤكد أيضا أنها أعلى بكثير من فرصة إقناع أحدهم بأن دونالد ترامب ليس عنصرياً وأن العنصرية انتهت في الولايات المتحدة.