ينتظر العالم الرد السوري على قانون قيصر، ويترقب السياسيون والمتابعون الإجراءات المضادة التي ستتخذها سورية في مواجهة ذلك القانون الخارج عن جوهر ومعنى القانون والذي لا يمت إلى كلمة قانون بأدنى صلة.
فأول ما يلفت الانتباه أن الإدارة الأميركية تستخدم سلطاتها التشريعية الداخلية لسن قوانين تطول دولة خارجية ذات سيادة وتتمتع باستقلال تام، وتفرض عليها إجراءات أحادية الجانب، وتطلق عليها زوراً مصطلح عقوبات، وكأن سورية تقع ضمن الأقاليم أو الولايات التي تتبعها، أو أن أميركا كإدارة تمثل المجتمع الدولي صاحب الحق وحده في اتخاذ تدابير اقتصادية في ظل عدم الرغبة في استخدام السلاح، لفرض حالة ما إذا كان السلم والأمن في العالم يتعرضان لتهديد حقيقي.
وبغض النظر عن قانونية وشرعية تلك الإجراءات وحيدة الجانب، فهي ليست جديدة في مسار العلاقات السورية الأميركية، إذ إن سورية تتعرض لإجراءات ظالمة منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وإن الإدارات الأميركية المتعاقبة تتفنن في تصعيد تلك الإجراءات طالما لم تستطع ربط السياسة السورية بالإرادة الأميركية وتجعلها تابعة لها، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والعلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب.
وتأتي هذه الإجراءات اليوم بعد سلسلة من الاعتداءات المختلفة التي لم تستطع كسر الإرادة السورية عبر استخدام الإرهاب والفشل في تطويع القيادة الوطنية السورية لمشاريع الهيمنة والتبعية وتضعها أمام خيار وحيد ليس هناك غيره، وهو خيار المواجهة والتصدي بكل الإمكانات الممكنة، فما هي تلك الإمكانات وعوامل القوة التي تمتلكها سورية ومازالت تحافظ عليها بعد عشر سنوات من العدوان المستمر؟.
لقد خبرت سورية نظام العدوان المسمى عقوبات أميركية أو أوروبية، وكان الرد الطبيعي محدداً في الاعتماد على الذات من جهة، والتعاون والتنسيق مع الدول الصديقة والحليفة من جهة أخرى، وذلك المخرج الذي مازال ممكناً في الوقت الحالي، وإن كانت الإجراءات الحالية تتجاوز كثيراً ما كان يتم تنفيذه في سنوات سابقة.
وهنا لا بد من عدم التقليل من طبيعة تلك الإجراءات العدوانية، الهادفة إلى خنق الشعب السوري، وحرمانه من حقوقه في التبادل والانتقال، وحريته في استخدام موارده وثرواته، ولكن بالمقابل فإن القدرة على المواجهة وتجاوز هذا العدوان ممكنة ومجربة أيضاً، وإن كانت صعبة وذات ضريبة كبيرة، لكن المواجهة هنا مع الولايات المتحدة الأميركية تبقى أقل بكثير من عواقب السير في طريق سياستها، وليس أدل من ذلك عواقب العلاقة ونواتجها في كل من أفغانستان والعراق وليبيا وقبلها في دول غيرها مثل مصر واليوم في السودان ودول أميركا اللاتينية.
ويبقى شكل المواجهة قادراً على ابتكار أشكال مستجدة واجتراح حلول للأزمات الناتجة عن الحصار الخانق مهما كانت مؤلمة في مراحل ما، لكنها تحافظ على حرية القرار الوطني، وتحفظ سيادة البلاد وتشكل الدافع المستمر للمواجهة، وتضمن تحقيق الانتصار، وتزيد قوة الارتباط الوطني.
وهنا تبرز أهمية الاعتماد على الموارد الذاتية، وتأطيرها في نسق تنظيمي وطني متكامل يُبعد تأثير المستغلين والفاسدين، ويدعم المخلصين من ذوي الاختصاصات والمعرفة المستعدين للتضحية بوقتهم وجهودهم خدمة لأبناء وطنهم في المعركة الأصعب بعدما أثبتوا بطولات في ميادين القتال، وذادوا عن حياض الوطن وقدموا الغالي والنفيس، وهم الآن مستعدون للاستمرار في معركة المواجهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، معركة الوجود الحضاري، وهي معركة محسومة النهايات التي ستكون مفرحة مهما بلغت تضحياتها.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد