ثورة أون لاين – رشا سلوم:
هل نحن أحرار , أم نعيش وهم الحرية ومخاتلة المصطلحات التي لايعرف أحد إلى ما يمكن أن تصل بنا من تشتت وضياع وقراءات شتى مختلفة , كل يضيف مايراه مناسبا للمصطلح بما يخدمه , ولعل من أكثر المصطلحات ضياعا وانزلاقا وحمال اوجه , مصطلح (الحرية) التي هي شغل الانسان مذ وعى وجوده , شغلت الجميع بلا استثناء , ولاسيما المفكرين واصحاب التيارات الكبرى في الفكر العالمي.
كارل ماركس واحد من هؤلاء , فماذا عن مفهوم الحرية عنده , وماعلاقته بالتقدم؟.. هذا ما يطرحه كتاب: كارل ماركس قراءة معاصرة في اشكالية العلاقة بين الحرية والتقدم , الصادر حديثا عن الهيئة العامة السورية للكتاب , وهو من تأليف هيثم توفيق العطواني.. والانسان حسب المؤلف في مقدمته: ليس وجودا , بل هو وعي بهذا الوجود , وتساؤل عن معناه , وإن رحلته المعقدة والمستمرة والغنية بالانفعالات والصبوات والاسئلة الازلية الابدية، تعبر عن مدى طموحه لمعرفة كل شيء والسيطرة على كل شيء, بما في ذلك الكون والطبيعة والحياة عبر فهم قوانينها واستحواذها من أجل تحقيق حريته , تلك الحرية التي لايمكن أن تفهم وتتجسد إلا في ضوء نقيضها من مفهومات اخرى مثل الضرورة والحتمية , ومحاولة فهم نفسه لان الانسان يختزن في داخله على الدوام أكثر بكثير مما يعرف وما يمكن أن يعرف عن نفسه , ولأن ذاته تنطوي على هواجس المعرفة والبحث.
ويصبو الانسان إلى الحرية والانعتاق من كل قيد عبر المعرفة , ويتطلع إلى معرفة كل حقيقة ويتوق إلى معرفة كلية شاملة , ولايقف من الكون موقف الناظر والمتأمل , بل موقف المؤثر الفاعل.
إن رغبة الانسان الطامحة لمعرفة كل شيء , تمثل نزوعا يقود الذات الانسانية إلى التشبه بالكلي المطلق، وانفتاح الانسان على الحقيقة يتطلب جهدا متصلا لكي يحيا في قلب الحقيقة , فالإنسان هو الذي يخلق حقائقه , ويختار ذاته ويجسدها بجعلها تتوافق مع مجرى حياته وتطلعاته.
ومن أجل فهم رؤية ماركس لجوهر الانسان كان لابد من تتبع أهم المراحل الاساسية التي اسهمت في تبلور مفهومي التقدم والحرية لديه , بشكل خاص , وكذلك فهم لأنساق التقدم التاريخي للمجتمعات , وهو ما يضعنا وجها لوجه أمام هذين المفهومين عند ماركس من أجل دراستهما برؤية نقدية للكشف عن مسار تطورهما من خلال تطوره وتطوير لادواته النقدية.
ويتطرق الكتاب لمسألة الاغتراب عبر طرح السؤال عن امكانية القضاء على الاغتراب عن طريق الوعي كما ظن هيجل , وهل الاغتراب الديني هو الاغتراب الوحيد لدى الانسان؟
وعبر دراسة كيفية تجاوز الاغتراب بدءا من الاغتراب الوجودي , وانتهاء بأشكاله كلها.. وقد تصدر الكتاب لمجموعة من الاسئلة مثل: هل ثمة نظرية عامة للتقدم حقا تشمل البشرية وتفترض وحدة التاريخ؟
هل يستمر التقدم التاريخي , في الزمان والمكان في سلم تصاعدي , أم انه يخضع لمجموعة من الانحرافات والانتكاسات؟
يقود التاريخ من حيث هو تسلسل للأحداث الماضية إلى تساؤلات عن منطق التاريخ: هل هو تقدم أم تكرار , هل هو تقدم محكوم بضرورة ما , أم أنه يسير تحت رحمة المصادفة؟
هل ثمة ارتباط بين التقدم والتاريخ , ومعايير التقدم في الفلسفة عند ماركس؟
هل يمكن القضاء على الاغتراب عن طريق الوعي فقط كما ظن هيجل؟
وغير ذلك من الاسئلة الكبرى التي يطرحها الكتاب ويمضي في بحثها بعمق. واللافت التركيز على مصطلح الاغتراب في الكتاب , فهو بحث ثر وغني بما يقدمه من اضاءات على هذا المفهوم.
بقي أن نشير أن الكتاب يقع في 275 صفحة من القطع الكبير , وقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.